صفحة رقم ١٤٣
اختاروا الضلالة على الهدى واختاروا العذاب على المغفرة لأنهم كانوا عالمين بالحق، ولكن كتموه وأخفوه وكان في إظهار الهدى والمغفرة وفي كتمان الضلالة والعذاب فلما أقدموا على إخفاء الحق وكتمانه كانوا بائعين الهدى بالضلالة والمغفرة بالعذاب ) فما أصبرهم على النار ( أي ما الذي صبرهم وأي شيء جسرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل، فهو استفهام بمعنى التوبيخ وقيل : إنه بمعنى التعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، فلما أقدموا على ما يوجب النار مع علمهم بذلك صاروا كالراضين بالعذاب والصابرين عليه، تعجب من حالهم بقوله : فما أصبرهم على النار.
البقرة :( ١٧٦ - ١٧٧ ) ذلك بأن الله...
" ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " ( ) ذلك بأن الله نزل الكتاب ( يعني ذلك العذاب بسب إن الله نزل الكتاب ) بالحق ( فكفروا به وأنكروه وقيل معناه فعلنا بهم ذلك، لأن الله أنزل الكتاب بالحق فحرفوه فعلى هذا يكون المراد بالكتاب التوراة ) وإن الذين اختلفوا في الكتاب ( يعني اختلفوا في معانيه وتأويله فحرفونها وبدلوها، وقيل : آمنوا ببعض وكفروا ببعض ) لفي شقاق ( أي خلاف ومنازعة ) بعيد ( يعني عن الحق.
قوله عز وجل :( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ( هذا خطاب لأهل الكتاب لأن النصارى تصلي قبل المشرق واليهود قبل المغرب إلى بيت المقدس، وزعم كل طائفة منهم أن البر في ذلك، فأخبر الله تعالى أن البر ليس فيما زعموا ولكن فيما بينه في هذه الآية.
وقال ابن عباس : هو خطاب للمؤمنين وذلك أن الرجل كان في ابتداء الإسلام إذا أتى بالشهادتين وصلى إلى أي جهة كانت ثم مات على ذلك، وجبت له الجنة فلما هاجر رسول الله ( ﷺ ) ونزلت الفرائض وصرفت القبلة إلى الكعبة، أنزل الله هذه الاية فقال تعالى :( ليس البر أن تولوا وجوهكم ( أي في صلاتكم قبل المشرق والمغرب ولا تعملوا ذلك ) ولكن البر ( يعني ما بينته لكم البر اسم جامع لكل الطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله الموجبة للثواب والمؤدية إلى الجنة ثم بين خصالاً من البر فقال تعالى :( من آمن بالله ( أي ولكن البر من آمن بالله فالمراد بالبر هنا الإيمان بالله والتقوى من الله