صفحة رقم ٢٦٩
ينام ) فمعناه الإخبار أنه سبحانه وتعالى لا ينام وأنه مستحيل في حقه لأن النوم انغمار وغلبة على العقل يسق به الإحساس والله تعالى منزه عن ذلك وقوله :( يخفض القسط ويرفعه ) أراد بالقسط الميزان الذي يقع به العدل ومعناه أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن فيه من أعمال العباد المرتفعة إليه وقيل أراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق ومعنى يخفض يقبض ويضيق على من يشاء ويرفعه أي يوسعه على من يشاء وقوله :( يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ) يعني أن الحفظة من الملائكة يصعدون بأعمال العباد في الليل بعد انقضائه في أول النهار، ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في اول الليل قوله :( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) سبحات بصم السين المهملة والباء الموحدة تحت وبضم التاء في آخره جمع سبحة، ومعنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه والحجاب أصله في اللغة المنع وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة والله تعالى منزه عن الجسم والحد، فالمراد به هنا الشيء المانع من الرؤية، وسمي ذلك الشيء المانع نوراً أو ناراً لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة، والمراد بالوجه الذات، والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه جميع المخلوقات لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات ولفظة من في قوله من خلقه لبيان الجنس لا للتبعيض ومعنى الحديث لو زال المانع وهو الحجاب المسمى نوراً أو ناراً وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته هذا آخر كلام للشيخ على هذا الحديث والله أعلم.
وروى الطبري بسنده عن ابن عباس في قوله :( لا تأخذه سنة ولا نوم ( إن موسى عليه السلام سأل الملائكة هل ينام الله تعالى ؟ فأوحى الله تعالى إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثاً فلا يتركوه ينام ففعلوا ثم أعطوه قارورتين فامسكهما ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما فجعل ينعس وينتبه وهما في يده في كل يد واحدة حتى نعس نعسة فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما قال معمر إنما هو مثل ضربة الله تعالى له يقول فكذلك السموات والأرض، ورواه عن أبي هريرة مرفوعاً قال سمعت رسول الله ( ﷺ ) يحكي عن موسى على المنبر قال :( وقع في نفس موسى هل ينام الله ) وذكر نحو حديث ابن عباس قال بعض العلماء : إن صح هذا الحديث فيحمل على أن هذا السؤال كان من جهال قوم موسى كطلب الرؤية من موسى لأن الأنبياء عليهم السلام هم أعلم بالله من غيرهم فلا يجوز أن ينسب لموسى مثل هذا السؤال والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :( له ما في السموات وما في الأرض ( يعني أن الله تعالى مالك جميع ذلك بغير شريك ولا منازع وهو خالقهم وهم عبيده وفي ملكه.
فإن قلت لم قال له ما في السموات ولم يقل من في السموات ؟ قلت : لما كان المراد إضافة كل ما سواه إليه من الخلق والملك وكان الغالب فيهم من لا يعقل أجرى الغالب مجرى لكل فعبر عنه بلفظ ما ) من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه ( أي بأمره وهذا استفهام إنكاري والمعنى لا يشفع عنده أحد إلاّ بأمره وإرادته، وذاك لأن المشركين زعموا أن الأصنام تشفع لهم فأخبر أنه لا شفاعة لأحد عنده إلاّ ما استثناه بقوله ) إلاّ بإذنه ( يريد بذلك شفاعة النبي ( ﷺ ) وشفاعة بعض الأنبياء والملائكة وشفاعة المؤمنين بعضهم لبعض ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( يعني ما بين أيديهم من الدنيا وما خلفهم من الآخرة وقيل بعكسه لأنهم يقدمون على الآخرة ويخلفون الدنيا وراء ظهورهم وقيل يعلم ما كان قبلهم وما كان بعدهم وقيل يعلم ما قدموه بين أيديهم من خير أو شر