صفحة رقم ٣٢٨
) والله بصير بالعباد ( يعني أن الله تعالى عالم بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا فيجازى كلاًّ على عمله فيثبت ويعاقب على قدر الأعمال.
وقيل : إن الله تعالى بصير بالذين اتقوا فلذلك أعدلهم الجنات.
آل عمران :( ١٦ - ١٨ ) الذين يقولون ربنا...
" الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " ( قوله عز وجل :( الذين يقولون ربنا إننا آمنا ( أي صدقنا ) فاغفر لنا ذنوبنا ( أي استر علينا وتجاوز عنا ) وقنا عذاب النار (.
قوله عز وجل :( الصابرين ( يعني على أداء الواجبات وعن المحرمات والمنهيات، وفي البأساء والضراء وحين البأس.
وقيل : الصابرين على دينهم وما أصابهم ) والصادقين ( يعني في إيمانهم.
وقال قتادة : هم قوم صدقت نياتهم واستقامت ألسنتهم وقلوبهم في السر والعلانية والصدق يكون في القول والأفعال والنية، فأما صدق الفعل فهو مجانبة الكذب والصدق في الفعل هو عدم الانصراف عنه قبل إتمامه، والصدق في النية العزم على الفعل حتى يبلغه.
) والقانتين ( يعني المطيعين لله وقيل لهم المصلون، وهو عبارة عن دوام الطاعة والمواظبة عليها ) والمنفقين ( يعني أموالهم في طاعة الله تعالى، ويدخل فيه نفقة الرجل على نفسه وعلى أهله وأقاربه وصلة رحمه، والزكاة والنفقة في جميع القربات ) والمستغفرين بالأسحار ( يعني المصلين بالسحر وهو الوقت بعد ظلمة الليل إلى طلوع الفجر، وقيل كانوا يصلون بالليل حتى إذا كان وقت السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار فكان هذا دأبهم في ليلهم.
قال نافع : كان ابن عمر يحيي الليل ثم يقول : يا نافع أسحرنا ؟ فأقول : لا فيعاود الصلاة فإذا قلت نعم قعد يستغفر ويدعو حتى يصلي الصبح.
( ق ) عن أبي هريرة أن رسول الله ( ﷺ ) :( قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير فيقول : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) وفي لفظ مسلم فيقول : أنا الملك أما الملك من ذا الذي يدعوني الحديث وله في رواية أخرى فيقول : هل من سائل ؟ فيعطى هل من داع فيستجاب له ؟ هل من مستغفر فيغفر له حتى ينفجر الصبح ( ؟ هذا الحديث من أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان معروفان مذهب السلف الإيمان به وإجراءه على ظاهره ونفي الكيفية عنه، والمذهب الثاني هو مذهب من يتأول أحاديث الصفات.
قال أبو سليمان الخطابي : إنما ينكر هذا الحديث من يقيس الأمور على ما يشاهده من النزول الذي هو تدل على من أعلى إلى أسفل، وانتقال من فوق إلى تحت وهذا صفة الأجسام، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه، وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم، ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله دعاءهم، ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقيل في قوله : والمستغفرين بالأسحار وصف الله تعالى هؤلاء بما وصف ثم بين أنهم مع ذلك لشدة خوفهم ووجلهم أنهم يستغفرون بالأسحار.
وروي أن لقمان قال لابنه : يا بني لا تكن أعجز من الديك فإنه يصوت بالأسحار وانت نائم الجنة.
آل عمران :( ١٩ ) إن الدين عند...
" إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب " ( قوله عز وجل :( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ( قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام والمعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد ( ﷺ ) ) إلا من بعد ما جاءهم العلم ( يعني بيان نعته وصفته في كتبهم.
وقال الربيع : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلاً من خيار بني إسرائيل وأودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة والاختلاف، بينهم، وهم الذين أوتوا الكتاب وهم من أبناء الملوك السبعين حتى أهرقوا الدماء وقع الشر والاختلاف، وذلك بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة من الأحكام ) بغياً بينهم ( أي طلباً بينهم للملك والرياسة فسلط الله عليهم الجبابرة.
وقيل : نزلت من نصارى نجران ومعناه وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني الإنجيل واختلافهم كان في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، وما ادعوا فيه من الإلهية إلا من بعد ما جاءهم العلم.
يعني بأن الله تعالى واحد أحد وأن عيسى عبده ورسوله بغياً بينهم يعني المعاداة والمخالفة.
) ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ( فيه وعيد وتهديد لمن أصر على الكفر من اليهود والنصارى الذين جحدوا نبوة محمد ( ﷺ ).
آل عمران :( ٢٠ ) فإن حاجوك فقل...
" فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد " ( قوله عز وجل :( فإن حاجوك ( أي خاصموك يا محمد في الدين، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا : لسنا على ما سميتنا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية نسب والدين هو الإسلام ونحن عليه فأمر الله عز وجل نبيه محمداً ( ﷺ ) أن يحتج عليهم بأنه اتبع أمر الله الذي هم يقرون به بقوله :( فقل أسلمت وجهي لله ( أي انقدت له بقلبي ولساني وجميع جوارحي، وإنما خص الوجه بالذكر لأنه أشرف جوارح الإنسان الظاهرة إذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له سائر جوارحه وقيل : أراد بالوجه العمل أي خلصت عملي لله وقصدت بعبادتي الله ) ومن اتبعن ( يعني ومن أسلم كما أسلمت أنا ) وقل للذين أوتوا الكتاب ( يعني اليهود والنصارى ) والأميين ( يعني مشركي العرب ) أأسلمتم ( لفظه استفهام ومعناه أمر أي أسلموا ) فإن اسلموا فقد اهتدوا ( يعني إلى الفوز والنجاة في الآخرة، فلما قرأ رسول الله ( ﷺ ) هذه الآية على أهل الكتاب قالوا : قد أسلمنا فقال لليهود : أتشهدون أن موسى كليم الله وعبده ورسوله فقالوا : معاذ الله وقال للنصارى : أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله فقالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبداً قال الله تعالى :( وإن تولوا ( أي أعرضوا ) فإنّما عليك البلاغ ( يعني تبليغ الرسالة.
وليس عليك هدايتهم واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في الآية فذهب طائفة إلى أنها محكمة، والمراد بها تسلية النبي ( ﷺ ) لأنه كان يحرص على إيمانهم ويتألم لتركهم الإجابة، وذهب طائفة إلى أنها منسوخة بآية السيف لأن المراد بها الاقتصار على التبليغ وهذا منسوخ بآية السيف ) والله بصير بالعباد ( يعني أنه تعالى عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن.
آل عمران :( ٢١ - ٢٣ ) إن الذين يكفرون...
" إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " ( قوله عز وجل :( إن الذين يكفرون بآيات الله ( يعني يجحدون القرآن وينكرونه وهم اليهود ) ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ( كان أنبياء بني إسرائيل يأتيهم الوحي ولم يكن يأتيهم كتاب لأنهم كانوا ملتزمين بأحكام التوراة، فكانوا يذكرون قومهم فيقتلونهم فيقوم رجال ممن آمن بهم وصدقهم فيذكرونهم ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر فيقتلونهم أيضاً، فهم الذين يأمرون بالقسط يعني بالعدل من الناس.
روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قلت : يا رسول الله أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة ؟ ( قال رجل : قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول الله ( ﷺ ) ) ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ( إلى أن انتهى إلى قوله ) وما لهم من ناصرين ( ثم قال على فراشك ) وقيل : هم الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة فعلى هذا القول إنما سميت الصلاة استغفاراً لأنهم طبلوا بفعلها المغفرة.
قوله عز وجل :