صفحة رقم ٣٤٥
وقيل : معناه وقد نالني الكبر وأدركني الضعف.
فإن قلت كيف أنكر زكريا الولد مع تبشير الملائكة إياه به وما معنى هذه المراجعة، ولم تعجب من ذلك بعد ذلك وعد الله إياه به أكان شاكاً في وعد الله أو قدرته ؟ قلت : لم يشك زكريا عليه السلام في وعد الله وقدرته إنما قال ذلك على سبيل الاستفهام والاستعلام والمعنى من أي جهه يكون لي الولد أيكون بإزالة العقر عن زوجتي ورد شبابي علي ؟ أو يكون ونحن على حالنا من الكبر والضعف ؟ فأجابه بقوله ) كذلك الله يفعل ما يشاء ( وقال عكرمة والسدي : لما سمع زكريا نداء الملائكة جاءه الشيطان وقال : يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله تعالى، وإنما هو من الشيطان، ولو كان من الله تعالى لأوحاه إليك كما يوحي إليك من سائر الأمور : فقال ذلك زكريا دفعاً للوسوسة واعتراض على الجواب بأنه لا يجوز أن يشتبه على الأنبياء كلام الملائكة بكلام الشيطان، إذ لو جوزنا ذلك لارتفع الوثوق بأخبارهم عن الوحي السماوي، وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه لما دلت الدلائل على صدق الأنبياء فيم يخبرون به عن الله تعالى بواسطة الملك، فلا مدخل للشيطان فيه وذلك فيما يتعلق بالدين والشرائع، فأما ما يتعلق بمصالح الدنيا وبالولد فقد يحتمل فيه حصول الوسوسة فسأل زكريا ذلك لنزول هذه الوسوسة من خاطره.
قال الكلبي : كان زكريا يوم بشر بالولد ابن اثنين وتسعين سنة.
وقيل : ابن تسع وتسعين سنة وقال ابن عباس في رواية الضحاك : كان ابن مائة وعشرين سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة.
فذلك قوله تعالى :( وامرأتي عاقر ( أي عقيم لا تلد ) قال كذلك الله يفعل ما يشاء ( يعني أنه تعالى قادر على هبة الولد على الكبر يفعل ما يشاء لا يعجزه شيء.
آل عمران :( ٤١ - ٤٢ ) قال رب اجعل...
" قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " ( قوله عز وجل :( قال ( يعني زكريا يا ) رب اجعل لي آية ( أي علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي فأزيد في العبادة والشكر لك ) قال آيتك ( أي علامتك على الذي طلبت معرفة علمه ) أن لا تكلم الناس ( أي لا تقدر على تكليم الناس ) ثلاثة أيام ( أي مدة ثلاثة أيام بلياليها.
قال جمهور المفسرين : عقد لسانه عن تكليم الناس ثلاثة أيام مع إبقائه على قدرة التسبيح والذكر ولذلك قال في آخر الآية ) واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار ( يعني في أيام منعك من تكليم الناس وهذه من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة لأن قدرته على التسبيح والذكر مع عجزه عن تكليم الناس بأمور الدنيا.
وذلك مع صحة الجسم وسلامة الجوارح من أعظم المعجزات، وإنما منع من الكلام مع الناس ليخلص في هذه الأيام لعبادة الله تعالى وذكره ولا يشغل لسانه بشيء آخر توقيراً منه على قضاء حق هذه النعمة الجسيمة وشكراً لله على إجابته فيما طلب الآية من أجله، وأن يكون ذلك دليلاً على وجود الحمل ليتم سروره بذلك وقال قتادة : إنما أمسك لسانه عن الكلام عقوبة لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه ببشارة الولد فلم يقدر على الكلام ) ثلاثة أيام إلاّ رمزاً ( يعني الإشارة والإشارة قد تكون باليد وبالعين وبالإيمان بالرأس وكانت إشارته بالأصبع المسبحة.
وقيل : الرمز قد يكون باللسان من غير تبين كلام وهو الصوت الخفي شبه الهمس وقيل : أراد به صوم