صفحة رقم ٣٥٩
متقدماً على قوله كن ولا تكوين بعد الخلق.
وأجيب عن هذا الإشكال بأن الله تعالى أخبر بأنه خلقه من تراب لا من ذكر وأنثى ثم ابتداء خبراً آخر.
فقال : إني أخبركم أيضاً اني قلت له كن فكان من غير ترتيب في الخلق كما يكون في الولادة، ويحتمل أن يكون المراد أنه تعالى خلقه جسداً من تراب ثم قال له : كن بشراً فكان يصح النظم وقيل : الضمير في قوله كن يرجع إلى عيسى عليه السلام وعلى هذا إشكال في الآية.
فإن قلت : كيف شبه عيسى عليه السلام بآدم عليه السلام وقد وجد عيسى من غير أب ووجد آدم من غير أب ولا أم.
قلت : هو مثله في أحد الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به، ولأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجوداً خارجاً عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران لأن الوجود من غير أب وأم أغرب في العادة من الوجود من غير أب، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه.
وحكي أن بعض العلماء أسر في بلاد الروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى ؟ قالوا : لأنه لا أب له قال : فآدم أولى لأنه لا أب له ولا أم قالوا : وكان يحيي الموتى فقال : جزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل أربعة آلاف : قالوا : وكان يبرئ الأكمه والأبرص قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سليماً وقوله كن ) فيكون ( قال ابن عباس : معناه كن فكان فأريد بالمستقيل الماضي وقيل : معناه ثم قال له : كن وأعلم يا محمد أن قال له ربك كن فإنه يكون لا محالة.
آل عمران :( ٦٠ - ٦١ ) الحق من ربك...
" الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ( ) الحق من ربك ( الذي أخبرتك به من تمثيل عيسى بآدم هو الحق من ربك ) فلا تكن من الممترين ( أي من الشاكين إن ذلك كذلك وهذا خطاب للنبي ( ﷺ ) والمراد به أمته لأنه ( ﷺ ) لم يشك قط فهو كقوله تعالى :( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( " والمعنى فلا تكن من الممترين يا أيها السامع كائناً من كان لهذا التمثيل والبرهان الذي ذكر فهو من باب التهيج لزيادة الثبات والطمأنينة.
قوله عزّ وجلّ :( فمن حاجك فيه ( أي فمن جاد لك في عيسى وقيل في الحق ) من بعد ما جاءك من العلم ( يعني بأن عيسى عبدالله ورسوله ) فقل تعالوا ( أي هلموا والمراد منه المجيء وأصله من العلو بالرأي والعزم كما تقول تعالى نتفكر هذه المسألة ) ندع أبناءنا وأبناءكم ( أي يدع كل منا ومنكم إبناءه ) ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ( قيل : أراد بالأبناء الحسن والحسين وبالنساء فاطمة وبالنفس ( ﷺ ) وعلياً رضي الله عنه وقيل هو على العموم لجماعة أهل الدين ) ثم نبتهل ( قال ابن عباس : نتضرع في الدعاء وقيل : معناه نجتهد ونبالغ في الدعاء.
وقيل : معناه نلتعن والابتهال الالتعان يقال عليه بهلة الله أي لعنة الله ) فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( يعني منا ومنكم في أمر عيسى قال المفسرون : لما قرأ رسول الله ( ﷺ ) هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غداً فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب : وكان كبيرهم وصاحب رأيهم ما ترى يا عبد المسيح قال لقد عرفتم ما معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل، ولئن فعلتم ذلك لتهلكم فإن أبيتم إلاّ الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله ( ﷺ )


الصفحة التالية
Icon