صفحة رقم ٣٦٠
وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي يمشي خلفها والنبي ( ﷺ ) يقول لهم :( إذا دعوت فأمنوا ) فلم رآهم أسقف نجران قال : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل أهله لأزاله من مكانه فلا تبتهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نباهلك وأن نتركك على دينك وتتركنا على ديننا فقال لهم رسول الله ( ﷺ ) : فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فأبوا ذلك.
فقال : إني أناجز فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنا نصالحك على ما لا تغزونا ولا تخفينا ولا تردنا عن ديننا وأن نؤدي إليك في كل سنة ألفي حلة ألف في صفر وألف في رجب زاد في رواية وثلاثاً وثلاثين درعاً عادية وثلاثة وثلاثين بعيراً وأربعاً وثلاثين فرساً غازية فصالحهم رسول الله ( ﷺ ) على ذلك وقال :( والذي نفسي بيده إن العذاب تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا ) فإن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ لتبيين الصادق من الكاذب منه ومن خصمه وذلك يختص به وبمن يباهله فما معنى ضم الأبناء والنساء في المباهلة.
قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه، فلذلك ضمهم في المباهلة، ولم يقتصر على تعريض نفسه لذلك وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك استئصال إن تمت المباهلة، وإنما خص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلب وربما فداهم الرجل بنفسه، وحارب دونهم حتى يقتل وإنما يقتل وإنما قدمهم في الذكر على النفس لينبه بذلك على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وفيه دليل قاطع وبرهان واضح على صحة نبوة محمد ( ﷺ ) لأنه لم يرو أحد من موافق ومخالف أنهم أجابوا إلى المباهلة لأنهم عرفوا صحة نبوته وما يدل عليها في كتبهم.
آل عمران :( ٦٢ - ٦٤ ) إن هذا لهو...
" إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " ( قوله تعالى :( إن هذا ( يعني الذي قص عليك يا محمد من خبر عيسى عليه السلام وأنه عبدالله ورسوله ) لهو القصص الحق ( وأصله من القصص وهو تتبع الأثر والقصص الخبر الذي تتتابع فيه المعاني ) وما من إله إلاّ الله ( إنما دخلت من لتوكيد النفي والمعنى أن عيسى ليس بإله كما زعمت النصارى ففيه رد عليهم ونفي جميع من ادّعى من المشركين أنهم آلهة وإثبات الإلهية لله تعالى وحده لا شريك له في الإلهية ) وإن الله لهو العزيز ( أي الغالب المنتقم ممن عصاه وخالف أمره وادّعى معه إلهاً أخر ) الحكيم ( يعني في تدبيره وفيه رد على النصارى لأن عيسى لم يكن كذلك ) فإن تولوا ( يعني فإن أعرضوا عن الإيمان ولم يقبلوه ) فإن الله عليم بالمفسدين ( أي الذين يعبدون غير الله ويدعون الناس إلى عبادة غيره وفيه وعيد وتهديد لهم.
قوله لهم.


الصفحة التالية
Icon