صفحة رقم ٣٧٢
الذي يقولونه ويغيرونه، وإنما كرر هذا بلفظين مختلفين مع اتحاد المعنى لأجل التأكيد ) ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ( يعني أنهم كاذبون.
وقال ابن عباس : إن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعاً وذلك أنهم حرفوا التوراة والإنجيل وألحقوا في كتاب الله ما ليس فيه.
قوله عز وجل :( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ( قيل إن نصارى نجران قالوا إن عيسى أمرهم ان يتخذوه رباً فقال الله تعالى رداً عليهم : ما كان لبشر يعني عيسى عليه السلام أن يؤتيه الله الكتاب يعني الإنجيل.
وقال ابن عباس في قوله تعالى ما كان لبشر يعني محمداً ( ﷺ ) أن يؤتيه الله الكتاب يعني القرآن وذلك أن أباً رافع من اليهود والسيد من نصارى نجران قالا : يا محمد تريد أن نعبدك ونتخذك رباً ؟ قال معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله وما بذلك أمرني الله، وما بذلك بعثني فأنزل الله هذه الآية ما كان لبشر أي ما ينبغي لبشر وهو جميع بني آدم لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط ويوضع موضع الواحد والجمع أن يؤتيه الله الكتاب والحكم يعني الفهم والعلم، وقيل هو إمضاء الحكم من الله تعالى والنبوة يعني المنزلة الرفيعة ) ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ( ومعنى الآية أنه لا يجتمع لرجل نبوة مع القول للناس كونوا عباداً لي من دون الله وكيف يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله وقد أتاه الله ما أتاه من الكتاب والحكم والنبوة وذلك أن الأنبياء موصون بصفات لا يحصل معها ادعاء الإلهية والربوبية منها إن الله تعالى أتاهم الكتب السماوية، ومنها إيتاء النبوة ولا يكون إلاّ بعد كمال العلم وكل هذه تمنع من هذه الدعوى ) ولكن كونوا ربانيين ( يعني ولكن يقول لهم كونوا ربانيين فأضمر القول على حسب مذهب العرب في جواز الإضمار إذا كان في الكلام ما يدل عليه، واختلفوا في معنى الرباني فقال ابن عباس : معناه كونوا فقهاء علماء وعنه كونوا فقهاء معلمين وقيل معناه حكماء حكماء، وقيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم وكباره وقيل الرباني العالم الذي يعمل بعلمه، وقيل الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي وقيل الرباني الذي جمع بين علم البصيرة والعلم بسياسة الناس، ولما مات ابن عباس رضي الله عنهما قال محمد بن الحنفية : اليوم مات رباني هذه الأمة قال سيبوية : الرباني المنسوب إلى الرب بمعنى كونه عالماً به ومواظباً على طاعته وزيادة الألف والنون فيه دلالة على كمال هذه الصفة وقال المبرد : الربانيون أرباب العلم واحدهم ربان وهو الذي يربى العلم ويربي الناس أي يعلمهم وينصحهم والألف والنون للمبالغة فعلى قول سيبويه الرباني منسوب إلى الرب على معنى التخصيص بمعرفة الرب وطاعته، وعلى قول المبرد الرباني مأخوذ من التربية.


الصفحة التالية
Icon