صفحة رقم ٣٧٣
وقيل الربانيون هم ولاة الأمر والعلماء وهما الفريقان اللذان يطاعان ومعنى الآية على هذا التأويل لا أدعوكم إلى أن تكونوا عباداً لي ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكاً وعلماء ومعلمين الناس الخير ومواظبين على طاعة الله وعبادته.
وقال أبو عبيدة : أحسب أن هذه الكلمة ليست عربية إنما هي عبرانية أو سريانية وسواء كانت عربية أو عبرانية فهي تدل على الذي علم وعمل بما علم وعلم الناس طريق الخير.
وقوله تعالى :( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( أي كونوا ربانيين بسبب كونكم عالمين ومعلمين بسبب دراستكم الكتاب، فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانياً فمن اشتغل بالعلم والتعليم لا لهذا المقصود ضاع علمه وخاب سعيه.
آل عمران :( ٨٠ - ٨١ ) ولا يأمركم أن...
" ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " ( قوله عز وجل :( ولا يأمركم ( قرئ بنصب الراء بنصب الراء عطفاً على قوله ثم يقول : فيكون مردوداً على البشر وقيل على إضمار أن أي ولا أن يأمركم، وقرئ برفع الراء على الاستئناف وهو ظاهر ومعناه ولا يأمركم الله وقيل لا يأمركم محمد ( ﷺ ) وقيل ولا يأمركم عيسى وقيل ولا يأمركم الأنبياء ) أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً ( يعني كفعل قريش والصابئين حيث قالوا الملائكة بنات الله وكفعل اليهود والنصارى حيث قالوا في المسيح والعزير ما قالوا وإنما خص الملائكة والنبيين بالذكر لأن الذين وصفوا بعبادة غير الله عز وجل من أهل الكتاب لم يحك عنهم إلاّ عبادة الملائكة وعبادة المسيح وعزير، فلهذا المعنى خصهم بالذكر ) أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ( إنما قاله على طريق التعجب والإنكار، يعني لا يقول هذا ولا يفعله.
قوله عز وجل :( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( قال الزجاج : موضع إذ نصب والمعنى واذكر في أقاصيصك إذ أخذ الله.
وقال الطبري : معناه واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ الله يعني حين أخذ الله ميثاق النبيين.
وأصل الميثاق في اللغة عقد يؤكد بيمين، ومعنى ميثاق النبيين ما وثقوا به على أنفسهم من طاعة الله فيما أمرهم به ونهاهم عنه وذكروا في معنى أخذ الميثاق وجهين : أحدهما : أنه مأخوذ من الأنبياء.
والثاني : أنه مأخوذ لهم من غيرهم فلهذا السبب اختلفوا في المعنى بهذه الاية، فذهب قوم إلى أن الله تعالى أخذ الميثاق من النبيين خاصة قبل أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده أن يصدق بعضهم بعضاً، وأخذ العهد على كل نبي أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه وإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن أدركوه فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد ( ﷺ ) وعليهم أجمعين.
وهذا قول سعيد بن جبير والحسن وطاوس وقيل : إنما أخذ الميثاق من النبيين في أمر محمد ( ﷺ ) خاصة وهو قول علي وابن عباس وقتادة والسدي فعلى هذا القول اختلفوا، فقيل إنما أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل إليهم النبيين ويدل عليه قوله ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه وإنما كان محمد ( ﷺ ) مبعوثاً إلى أهل الكتاب دون النبيين، وإنما أطلق هذا اللفظ عليهم لأنهم كانوا يقولون نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب والنبيون منا، وقيل أخذ الله ميثاق على النبيين وأممهم جميعاً في أمر محمد ( ﷺ ) فاكتفى بذكر الأنبياء لأن العهد مع المتبوع عهد مع الأتباع وهو قول ابن عباس قال علي بن أبي طالب : ما بعث الله نبياً آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد ( ﷺ ) وأخذ هو العهد على قومه ليؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه وقيل إن المراد من الآية أن الأنبياء كانوا يأخذون العهد والميثاق على أممهم