صفحة رقم ٣٧٨
ما فعلوا ثم ماتوا على ذلك لن تقبل توبتهم وقال ابن عباس : إنهم الذين ارتدوا وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم والكفر في ضمائرهم وقال أبو العالية : هم قوم تابوا من ذنوب عملوها في حال للشرك ولم يتوبوا من الشرك فإن توبتهم في حال الشرك، غير مقبولة.
وقال مجاهد : لن تقبل توتبهم إذا ماتوا على الكفر وقال ابن جرير الطبري : معنى لن تقبل توبتهم أي مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم لا من كفرهم لأن الله تعالى لما وعد أن يقبل التوبة عن عباده وأنه قابل توبة كل تائب من كل ذنب لقوله تعالى :( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ( علم أن المعنى الذين لا تقبل التوبة منه غير المعنى الذي تقبل التوبة منه فعلى هذا فالذي لا تقبل التوبة منه هو الازدياد على الكفر بعد الكفر لا يقبل منه توبة ما أقام على كفره لأن الله تعالى لا يقبل عمل مشرك ما أقام على شركه، فإذا تاب من شركه وكفره وأصلح فإن الله كما وصف نفسه غفور رحيم.
وقوله تعالى :( وأولئك هم الضالون ( يعني هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً وهم الذين ضلوا عن سبيل الحق وأخطؤوا منهاجه.
آل عمران :( ٩١ - ٩٢ ) إن الذين كفروا...
" إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم " ( قوله عز وجل :( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ( قال ابن عباس : لما فتح رسول الله ( ﷺ ) مكة دخل من كان من أصحاب الحارث بن سويد حباً في الإسلام فنزلت هذه الآية فيمن مات منهم على الكفر، وقيل نزلت فيمن مات كافراً من جميع أصناف اليهود والنصارى وعبدة الأصنام، فالآية عامة في جميع من مات على الكفر ) فلن يقبل أحدكم ملء الأرض ذهباً ( أي قدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها ) ولو افتدى به ( قيل معناه لو افتدى به والواو زائدة مقحمة وقيل الواو على حالها وفائدتها أنها للعطف والتقدير لو تقرب إلى الله بملء الأرض ذهباً وقد مات على كفره لم ينفعه ذلك وكذا لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهباً لن يقبل منه، وهذا آكد في التغليظ لأنه تصريح بنفي القبول من جميع الوجوه.
فإن قلت الكافر لا يملك شيئاً في الآخرة فما وجه قوله فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ؟ قلت : الكلام ورد على سبيل الفرض والتقدير والمعنى لو أن للكافر قدر ملء الأرض ذهباً يوم القيامة لبذله في تخليص نفسه من العذاب ولكن لا يقدر على شيء من ذلك وقيل معناه لو أن الكافر أنفق في الدنيا ملء الأرض ذهباً ثم مات على كفره لم ينفعه ذلك لأن الطاعة مع الكفر غير مقبولة ) أولئك ( إشارة إلى من مات على الكفر ) لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ( يعني مانعين يمنعونهم من العذاب
( ق ) عن أنس بن مالك عن النبي ( ﷺ ) قال ( يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا الشرك ) لفظ مسلم.
قوله عز وجل :( لن تنالوا البر ( قال ابن عباس : يعني الجنة، وقيل : البر هو التقوى، وقيل