صفحة رقم ٣٩
ولم يجعلها حزنة لا يمكن القرار عليها، والحزن ما غلظ من الأرض ) والسماء بناء ( أي سقفاً مرفوعاً قيل إذا تأمل الإنسان المتفكر في العالم وجده كالبيت المعمور فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض مفروشة كالبساط والنجوم كالمصابيح والإنسان كمالك البيت وفيه ضروب النبات المهيأة لمنافعه وأصناف الحيوان مصروفة في مصالحه، فيجب على الإنسان المسخر له هذه الأشياء شكر الله تعالى عليها ) وانزل من السماء ( يعني السحاب ) ماء ( يعني المطر ) فأخرج به ( أي بذلك الماء ) من الثمرات ( يعني من ألوان الثمرات وأصناف النبات ) رزقاً لكم ( أي وعلفاً لدوابكم ) فلا تجعلوا لله أنداداً ( يعني أمثالاً تعبدونهم كعادته، والندّ المثل ) وأنتم تعلمون ( يعني أنكم بعقولكم تعلمون أن هذه الأشياء والأمثال لا يصح جعلها أنداداً لله، وأنه واحد خالق لجميع الأشياء وأنه لا مثل له ولا ضد له.
قوله تعالى :( وإن كنتم في ريب ( أي إن كنتم في شك لأن الله تعالى عليهم أنهم شاكون ) مما نزلنا على عبدنا ( أي محمد ( ﷺ ) لما تقرر إثبات الربوبية لله سبحانه وتعالى وأنه الواحد الخالق وأنه لا ضد له ولا ندّ أتبعه بإقامة الحجة على إثبات نبوة محمد ( ﷺ ) ما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة، وأنه من عند الله تعالى لا من عند نفسه كما تدّعون فيه، وقوله على عبدنا إضافة تشريف لمحمد ( ﷺ ) وأن القرآن منزل عليه من عند الله سبحانه وتعالى ) فأتوا ( أمر تعجيز ) بسورة ( والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر وقيل السورة اسم للمنزلة الرفيعة، ومنه سور البلد لارتفاعه، سميت سورة لأن القارئ ينال بها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكمال سور القرآن ) من مثله ( أي مثل القرآن، وقيل الضمير في مثله راجع إلى عبدنا، يعني من مثل محمد ( ﷺ ) أميّ لم يحسن الكتابة ولم يجالس العلماء ولم يأخذ العلم عن أحد، ورد الضمير إلى القرآن أوجه وأولى ويدل عليه أن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في التحدي وإنما وقع الكلام في المنزل ألا ترى أن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فأتوا أنتم بسورة مما يماثله ويجانسه، ولو كان الضمير مردوداً إلى محمد ( ﷺ ) لقال وإن ارتبتم في أن محمداً منزل عليه فهاتوا قرآناً مثل محمد ( ﷺ )، ويدل على كون القرآن معجزاً ما اشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة في طرفي الإيجاز والأطالة فتارة يأتي بالقصة باللفظ الطويل ثم يعيدها باللفظ الوجيز ولا يخل بالمقصود الأول، وأنه فارقت أساليبه أساليب الكلام وأوزانه أوزان الأشعار والخطب والرسائل ولهذا تحديت العرب به، فعجزوا عنه وتحيروا فيه واعترفوا بفضله وهم معدن البلاغة وفرسان الفصاحة ولهم النظم والنثر من الأشعار والخطب والرسائل، حتى قال الوليد بن المغيرة في وصف القرآن : والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وأن أصله لمغدق وإن أعلاه لمثمر ) وادعوا شهداءكم من دون الله ( أي استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله والمعنى إن كان الأمر كما تقولون أنها تستحق العبادة فاجعلوا الاستعانة بها في دفع ما نزل بكم من أمر محمد ( ﷺ ) وإلاّ فاعلموا أنكم مبطلون في دعواكم أنها إلهة.
وقيل معناه وادعوا أناساً يشهدون لكم ) إن كنتم صادقين ( أن محمد ( ﷺ ) تقوله من تلقاء نفسه.
البقرة :( ٢٤ - ٢٥ ) فإن لم تفعلوا...
" فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون " ( ) فإن لم تفعلوا ( أي فيما مضى ) ولن تفعلوا ( فيما بقي وهذه الآية