صفحة رقم ٣٩٩
) إذ كنتم أعداء ( يعني قبل الإسلام ) فألف بين قلوبكم ( يعني بالإسلام وبنبيّه عليه الصلاة والسلام فأصبحتم بنعمته إخواناً يعني فصرتم برحمته وبدينه الإسلام إخواناً في الدين والولاية بعد العداوة ) وكنتم ( يا معشر الأوس والخزرج ) على شفا حفرة من النار ( يعني على طرف حفرة مثل شفا البئر ليس بينكم وبين الوقوع في النار إلا أن تموتوا عل كفركم ) فأنقذكم منها ( أي فخلصكم بالإيمان من الوقوع في النار ) كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (.
آل عمران :( ١٠٤ ) ولتكن منكم أمة...
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " ( قوله تعالى :( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( اللام في قوله ولتكن لام الأمر أي لتكن منكم أمة دعاة الخير، وقيل إن كلمة من في قوله منكم للتبيين لا للتبعيض وذلك لأن الله عز وجل أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة في قوله تعالى :( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ( فيجب على كل مكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما بيده أو بلسانه أو بقلبه ( م ) عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول :( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) فعلى هذا يكون معنى الآية كونوا أمة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ومن قال بهذا القول يقول : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به واحد سقط الفرض عن الباقين، وقيل إن من هنا للتبعيض وذلك لأن في الأمة من لا يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعجز وضعف فحسن إدخال لفظ من في قوله ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وقيل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يختص بالعلماء ولاة الأمر فعلى هذا يكون المعنى ليكن بعضكم آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر.
( خ ) عن النعمان بن بشير عن النبي ( ﷺ ) قال :( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسلفها فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً ) والخير المذكور في الآية هو كل شيء يرغب فيه من الأفعال الحسنة وقيل : هو هنا كناية عن الإسلام والمعنى لتكن أمة أي جماعة دعاة إلى الإسلام وإلى كل فعل حسن يستحسن في الشرع والعقل وقيل الدعوة إلى فعل الخير يندرج تحتها نوعان : أحدهما : الترغيب في فعل ما ينبغي وهو الأمر بالمعروف.
والثاني : الترغيب في ترك ما لا ينبغي وهو النهي عن المنكر فذكر الحسن أولاً وهو الخير ثم أتبعه بنوعيه مبالغة في البيان والمعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه والمنكر ضد ذلك وهو ما عرف بالعقل والشرع قبحه وقوله تعالى :( وأولئك هم المفلحون ( تقدم تفسيره.