صفحة رقم ٤٠٦
الأذى بالقول إلى غيره من الضرر ثم وعدهم الغلبة والانتقام منهم وأن عاقبتهم الخذلان والذل فقال تعالى :( ضربت عليهم الذلة ( يعني جعلت الذلة ملصقة بهم كالشيء يضرب على الشيء فيلتصق به، والمراد بالذلة قتلهم وسبيهم وغنيمة أموالهم وقيل الذلة ضرب الجزية عليهم لأنهم ذلة وصغار وقيل ذلتهم أنك لا ترى في اليهود ملكاً قاهراً ولا رئيساً معتبراً بل مستضعفون في جميع البلاد ) أينما ثقفوا ( أي حيثما وجدوا وصودفوا ) إلا بحبل من الله ( يعني إلا بعهد من الله وهو أن يسلموا فتزول عنهم الذلة ) وحبل من الناس ( يعني المؤمنين ببذل الجزية والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس وهو ذمة الله وعهده وذمة المسلمين وعهدهم لا عزلهم إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من بذل الجزية.
وإنما سمي العهد حبلاً لأنه سبب يوصل إلي الأمن وزال الخوف ) وباؤو بغضب من الله ( يعني رجعوا بغضب من الله واستوجبوه وقيل أصله من البواء وهو المكان والمعنى أنهم مكثوا في غضب من الله وحلوا فيه ) وضربت عليهم المسكنة ( يعني كما يضرب البيت على أهله فهم ساكنون في المسكنة غير خارجين منها قال الحسن المسكنة هي الجزية، وذلك لأن الله تعالى أخرج المسكنة عن الاستثناء، وذلك يدل على انها باقية عليهم والباقي عليهم هو الجزية فدل على أن المسكنة هي الجزية، وقيل المراد بالمسكنة هو أن اليهودي يظهر من نفسه الفقر وإن كان غنياً موسراً ) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب ) بأنهم ( أي بسبب أنهم ) كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( أي ذلك الذي نزل بهم بسبب عصيانهم لله عز وجل وتعديهم لحدوده فنزل بهم ما نزل.
آل عمران :( ١١٣ - ١١٤ ) ليسوا سواء من...
" ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين " ( قوله عز وجل :( ليسوا سواء ( قال ابن عباس : لما أسلم عبدالله بن سلام وأصحابه قالت أحبار اليهود ما آمن محمد ( ﷺ ) إلا شرارنا ولولا ذلك ما تركوا دين آبائهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي وقوله :( ليسوا سواء ( قولان أحدهما أنه كلام تام يوقف عليه والمعنى أهل الكتاب الذي سبق ذكرهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ليسوا سواء، وقيل معناه لا يستوي اليهود وأمة محمد ( ﷺ ) القائمة بأمر الله الثابتة على الحق.
والقول الثاني أن قوله :( ليسوا سواء ( متعلق بما بعده ولا يوقف عليه وقوله :( من أهل الكتاب أمة قائمة ( فيه اختصار وإضمار والتقدير ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ومنهم أمة مذمومة غير قائمة فترك ذكر الأمة الأخرى اكتفاء بذكر أحد الفريقين وهذا على مذهب العرب أن ذكر أحد الضدين يغني عن ذكر الآخر قال أبو ذؤيب :
دعاني إليها القلب إني امرؤ لها
مطيع فلا أدري أرشد طلابها
أراد أم غير رشد فاكتفى بذكر أحد الرشدين دون الآخر.
وقال الزّجاج : لا حاجة إلى إضمار الأمة المذمومة لأنه قد جرى ذكر أهل الكتاب بقوله : كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق فأعلم الله أن منهم أمة قائمة فلا حاجة بنا إلى أن نقول وأمة غير قائمة إنما ابتدأ بذكر