صفحة رقم ٤٣
فما فوقها يعني الذباب والعنكبوت وما هو أعظم منهما في الجثة.
وقيل معناه فما دونها وأصغر منها، وهذا القول أشبه بالآية لأن الغرض بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الصغير الحقير وقد ضرب النبي ( ﷺ ) مثلاً للدنيا بجناح بعوضة وهو أصغر منها، وقد ضربت العرب المثل بالمحقرات، فقيل : هو أحقر من ذرة وأجمع من نملة وأطيش من ذبابة وألح من ذبابة ) فأما الذين آمنوا ( يعني بمحمد ( ﷺ ) والقرآن ) فيعلمون أنه ( يعني ضرب المثل ) الحق ( يعني الصدق ) من ربهم ( الثابت الذي لا يجوز إنكاره لأن ضرب المثل من الأمور المستحسنة في العقل وعند العرب ) وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً ( أي بهذا المثل ) يضل به كثيراً ( أي من الكفار وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون به ضلالاً ) ويهدي به كثيراً ( يعني المؤمنين يصدقونه ويعلمون أنه حق ) وما يضل به إلاّ الفاسقين ( يعني الكافرين وقيل المنافقين.
وقيل اليهود، والفسق الخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله ثم وصفهم فقال تعالى :( الذين ينقضون ( أي يخالفون ويتركون وأصل النقض الفسخ وفك المركب ) عهد الله ( أي أمر الله وأصل العهد حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال ) من بعد ميثاقه ( أي من بعد عقده وتوكيده وفي معنى هذا العهد أقوال أحدها أنه الذي أخذه عليهم يوم الميثاق وهو قوله تعالى :( ألست بربكم قالوا بلى ( " الثاني المراد به الذي أخذه على إجبار اليهود في التوراة أن يؤمنوا بمحمد ( ﷺ ) ويبينوا نعته وصفته الثالث المراد به الكفار والمنافقون الذين نقضوا عهداً أبرمه الله تعالى وأحكمه بما أنزل في كتابه من الآيات الدالة على توحيده ) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ( يعني الإيمان بمحمد ( ﷺ ) وجميع الرسل فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وهم اليهود.
وقيل أراد به قطع الأرحام التي أمر الله بوصلها ) ويفسدون في الأرض ( يعني بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد ( ﷺ ) والقرآن ) أولئك هم الخاسرون ( أي المغبونون.
وأصل الخسار النقص ثم قال تعالى لمشركي العرب على وجه التعجب لكن فيه تبكيت وتعنيف لهم.
البقرة :( ٢٨ - ٢٩ ) كيف تكفرون بالله...
" كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم " ( ) كيف تكفرون بالله ( يعني بعد نصب الدلالة ووضع البراهين الدالة على وحدانيته ثم ذكر الدلائل فقال تعالى :( وكنتم أمواتاً ( يعني نطفاً في أصلاب آبائكم ) فأحياكم ( يعني في الارحام والدنيا ) ثم يميتكم ( أي عند انقضاء آجالكم ) ثم يحييكم ( يعني بعد الموت للبعث ) ثم إليه ترجعون ( أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
قوله عز وجل :