صفحة رقم ٤٦
وأسودها وطيبها وخبيثها، فلما أتاها ليقبض منها قالت : أعوذ بعزة الله الذي أرسلك إليّ أن لا تأخذ مني شيئاً فرجع جبريل إلى مكانه وقال : يا رب استعاذت بك مني فكرهت أن أقدم عليها فقال الله تعالى لميكائيل : انطلق فأتني منها فلما أتاها ليقبض منها قالت ما قالت لجبريل، فرجع إلى ربه فقال ما قالت له، فقال لعزرائيل انطلق فأتني بقبضة من الأرض فلما أتاها له الأرض، أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن لا تأخذ مني شيئاً، فقال : وأنا أعوذ بعزته أن أعصي له أمراً.
وقبض منها قبضة من جميع بقاعها من عذبها ومالحها وحلوها ومرها وطيبها وخبيثها، وصعد بها إلى السماء فسأله ربه عز وجل وهو أعلم بما صنع فاخبره بما قالت له الأرض وبما رد عليها فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لأخلقن مما جئت به خلقاً ولأسلطنك على قبض أرواحهم لقلة رحمتك.
ثم جعل الله تلك القبضة نصفها في الجنة ونصفها في النار ثم تركها ما شاء الله ثم أخرجها فعجنها طيناً لازباً مدة ثم حمأ مسنوناً مدة ثم صلصالاً ثم جعلها جسداً وألقاه على باب الجنة فكانت الملائكة يعجبون من صفة صورته لأنهم لم يكونوا رأوا مثله، وكان إبليس يمر عليه ويقول لأمر ما خلق هذا ونظر إليه فإذا هو أجوف فقال هذا خلق لا يتمالك، وقال يوماً للملائكة إن فضل هذا عليكم ما تصنعون ؟ فقالوا نطيع ربنا ولا نعصيه فقال إبليس في نفسه لئن فضل علي لأعصينه ولئن فضلت عليه لأهلكنه فلما أراد الله تعالى أن ينفخ فيه الروح أمراها أن تدخل في جسد آدم فنظرت فرأت مدخلاً ضيقاً فقالت يا رب كيف أدخل هذا الجسد ؟ قال الله عز وجل لها ادخليه كرهاً وستخرجين منه كرهاً فدخلت في يافوخه فوصلت إلى عينيه فجعل ينظر إلى سائر جسده طيناً فصارت إلى أن وصلت منخزيه فعطس فلما بلغت لسانه قال : الحمد لله رب العالمين وهي أول كلمة قالها فناداه الله تعالى رحمك ربك يا أبا محمد ولهذا خلقتك.
ولما بلغت الروح إلى الركبتين همّ ليقوم فلم يقدر، قال الله تعالى :( خلق الإنسان من عجل } " فلما بلغت إلى الساقين والقدمين استوى قائماً بشراً سوياً لحماً ودماً وعظاماً وعروقاً وعصباً وأحشاء وكسي لباساً من ظفر يزداد جسده جمالاً وحسناً كل يوم، وجعل في جسده تسعة أبواب سبعة في رأسه وهي الذنان يسمع بهما والعينان يبصر بهما والمنخران يشم بهما والفم فيه اللسان يتكلم به والأسنان يطحن بها ما يأكله ويجد لذة المطعومات بها وبابين في أسفل جسده وهما القبل والدبر يخرج منهما ثفل طعامه وشرابه وجعل عقله في دماغه وفكره وصرامته في قلبه وشرهه في كليته وغضبه في كبده ورغبته في رئته وضحكه في طحاله وفرجه وحزنه في وجهه فسبحان من جعله يسمع بعظم ويبصر بشحم وينطق بلحم ويعرف بدم وركب فيه الشهوة وحجزه بالحياء
( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خلق الله تعالى آدم عليه السلام وطوله ستون ذراعاً ثم قال اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزاده ورحمة فكل من يدخل الجنة على صورة آدم.
قال : فلم يزل الخلق ينقص حتى الأن ( م ) عن أنس قال قال رسول الله ( ﷺ ) : لما صور الله آدم تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطوف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك.
عن أبي موسى قال : سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول :( إن الله تبارك تعالى خلق آدم من قبضة قبضاه من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب )