صفحة رقم ٥٤
عليه وسلم نبي مرسل.
وفيه تنبيه لسائر الخلق وتحذير من مثله فصار هذا الخطاب وإن كان خاصاً في الصورة لكنه عام في المعنى فعلى كل أحد أن لا يلبس الحق بالباطل ولا يكتم الحق لما فيه من الضرر والفساد وفيه دلائل أيضاً على أن العالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه ) وأقيموا الصلاة ( يعني الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها وجميع أركانها ) وآتوا الزكاة ( أي أدوا الزكاة المفروضة عليكم في أموالكم ) واركعوا مع الراكعين ( أي صلوا مع المصلين، يعني محمداً ( ﷺ ) وأصحابه وعبر عن الصلاة بالركوع لأنه ركن من أركانها وهذا خطاب لليهود لأن صلاتهم ليس فيها ركوع فكأنه قال لهم صلوا صلاة ذات ركوع فلهذا المعنى أعاده بعد قوله وأقيموا الصلاة لأن الأول خطاب الكافة والثاني خطاب قوم مخصوصين وهم اليهود.
وفيه حث على إقامة الصلاة في الجماعة فكأنه قال صلوا مع المصلين في الجماعة.
قوله عز وجل :( أتأمرون الناس بالبر ( الاستفهام فيه للتقرير مع التقريع والتعجب من حالهم.
والبر اسم جامع لجميع أعمال الخير والطاعات، نزلت هذه الآية في علماء اليهود، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلىالله عليه وسلم اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق وقيل إن جماعة من اليهود قالوا لمشركي العرب : إن رسولاً سيظهر منكم ويدعوكم إلى الحق، وكانوا يرغبونهم وفي اتباعه فلما بعث الله محمداً ( ﷺ ) حسدوه وكفروا به فبكتهم الله ووبخهم بذلك حيث إنهم كانوا يأمرون الناس باتباعه قبل ظهوره، فلما ظهر تركوه وأعرضوه عنه.
وقيل كانوا يأمرون الناس بالطاعة والصلاة والزكاة وأنواع البر ولا يفعلونه فوبخهم الله بذلك ) وتنسون أنفسكم ( أي وتعدلون عما لها فيه نفع والنسيان عبارة عن السهو الحادث بعد حصول العلم والمعنى أتتركون أنفسكم ولا تتبعون محمداً ( ﷺ ) ) وأنتم تتلون الكتاب ( يعني تقرؤون التوراة وتدرسونها وفيها نعت محمد ( ﷺ ) وصفته وفيها أيضاً الحث على الأفعال الحسنة والإعراض عن الأفعال القبيحة والإثم ) أفلا تعقلون ( يعني أنه حق فتتبعونه والعقل قوة يهيئ قبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل ومنه قول علي بن أبي طالب :
وإن العقل عقلان
فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مطبوع
إذا لم يك مسموع
كما لا تنفع الشمس
وضوء العين ممنوع
وأصل العقل الإمساك لأنه مأخوذ من عقال الدابة كعقل بالعقال ليمنعه من الشرود فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود والأفعال القبيحة.
ومعنى الآية أن المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو إرشاد الغير إلى تحصيل المصلحة وتحذيره عما يوقعه في المفسدة والإحسان إلى النفس أولى من الإحسان إلى الغير وذلك لأن الإنسان إذا وعظ غيره ولم يتعظ هو فكأنه أتى بفعل متناقض لا يقبله العقل فلهذا قال أفلا تعقلون وقيل إن من وعظ الناس يجتهد