صفحة رقم ٦٠١
بلا انتهاء ولا غاية والأبد عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لا انقطاع له ولا يتجزأ كما يتجزأ غيره من الأزمنة لأنه لا يقال أبد كذا كما يقال زمن كذا وفي قوله :( خالدين فيها أبداً ( دليل على أن الخلود لا يفيد التأبيد والدوام لأنه لو أفاد ذلك لزم التكرار وهو خلاف الأصل فعلم من ذلك أن الخلود عبارة عن طول الزمان لا على الدوام فلما أتبع الخلود بالأبد علم أنه يراد به الدوام الذي لا ينقطع.
وقوله عز وجل :( وعد الله حقاً ( يعني وعد الله ذلك الذي ذكر وعدا حقاً ) ومن أصدق من الله قيلاً ( يعني ليس أحد أصدق من الله وهو توكيد بليغ لقوله :( وعد الله حقاً ( قوله تعالى :( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ( قولان : أحدهما أنه خطاب للمسلمين وأهل الكتاب اليهود والنصارى وذلك أنهم افتخروا فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم.
وقال المسلمون نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب وقد آمنا بكتابكم ولم تؤمنوا بكتابنا فنحن أولى بالله منكم.
والقول الثاني أنه خطاب لمشركي مكة في قولهم لانبعث ولا نحاسب وخطاب لأهل الكتاب في قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة.
والمعنى ليس الأمر بالأماني إنما الأمر بالعمل الصالح ) من يعمل سوءاً يجز به ( قال الضحاك يقول : ليس لكم ما تمنيتم وليس لأهل الكتاب ما تمنوا ولكن من عمل سوءاً يعني شركاً فمات عليه يجز به النار.
وقال الحسن هذا في حق الكفار خاصة لأنهم يجازون بالعقاب على الصغير والكبير ولا يجزى المؤمن بسيئ عمله يوم القيامة ولكن يجزى بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته ويدل على صحة هذا القول سياق الاية وهو قوله :( ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ( وهذا هو الكافر، فأما المؤمن فله ولي ونصير.
وقال آخرون هذه الاية في حق كل من عمل سوءاً من مسلم ونصراني وكافر.
قال ابن عباس هي عامة في حق كل من عمل سوءاً يجز به إلا أن يتوب قبل أن يموت فيتوب الله عليه.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه لما نزلت هذه الاية شقت على المسلمين مشقة شديدة وقالوا يا رسول الله وأينا من لم يعمل سوءاً غيرك فكيف الجزاء ؟ قال ( منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ومن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشر حسناته وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده أعشاره.
وأما من كان جزاؤه في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته فيلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة فيؤتى كل ذي فضل فضله ) ويدل على صحة هذا القول ما روي عن أبي هريرة قال لما نزلت ) من يعمل سوءاً يجز به ( " بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً قال رسول الله ( ﷺ ) :( قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به