صفحة رقم ٦١
) وأنتم ظالمون ( أي وأنتم ضارون لأنفسكم بالمعصية حيث وضعتم العبادة في غير موضعها ) ثم عفونا عنكم ( أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم ) من بعد ذلك ( أي من بعد عبادتكم لعجل ) لعلكم تشكرون ( أي لكي تشكروا عفوي عنكم، وحسن صنيعي إليكم وأصل الشكر هو تصور النعمة وإظهارها ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها والشكر على ثلاث أضرب : شكر القلب وهو تصور النعمة.
وشكر اللسان وهو الثناء على النعمة.
وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها، وقيل الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السر والعلانية ؛ وقيل : حقيقة الشكر العجز عن الشكر.
وحكي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : إلهي أنعمت عليّ النعم السوابغ وأمرتني بالشكر وإنما شكري إياك نعمة منك فأوحى الله تعالى إليه يا موسى تعلمت العلم الذي لا فوقه علم حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهي مني.
وقال داود عليه الصلاة والسلام : سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة وقال الفضيل : شكر كل نعمة أن لا يعصى بعدها بتلك النعمة وقيل شكر النعمة ذكرها وقيل : شكر النعمة ذكرها وقيل : شكر النعمة أن لا يراها البتة ويرى المنعم وقيل الشكر لمن فوقك بالطاعة والثناء ولنظيرك بالمكافأة ولمن دونك بالإحسان والإفضال.
قوله عز وجل :( وإذ آتينا موسى الكتاب ( يعني التوراة ) والفرقان ( قيل : هو نعت الكتاب والواو زائدة.
والمعنى الكتاب المفرق بين الحلال والحرام والكفر والإيمان وقيل : الفرقان هو النصر على الأعداء والواو أصلية ) لعلكم تهتدون ( يعني التوراة ) وإذ قال موسى لقومه ( يعني الذين عبدوا العجل ) يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ( يعني إلهاً تعبدونه فكأنهم قالوا ما نصنع قال ) فتوبوا إلى بارئكم ( أي ارجعوا إلى خالقكم بالتوبة قالوا كيف نتوب قال ) فاقتلوا أنفسكم ( يعني ليقتل البريء منكم المجرم.
فإن قلت التوبة عبارة عن الندم على فعل القبيح والعزم على أن لا يعود إليه وهذا مغاير للقتل.
فكيف يجوز تفسير التوبة بالقتل.
قلت : ليس المراد تفسير التوبة بالقتل بل بيان أن توبتهم لا تتم إلا بالقتل، وإنما كان كذلك لأن الله أوحى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن توبة المرتد لا تتم إلا بالقتل.
فإن قلت : التائب من الردة لا يقتل فكيف استحقوا القتل وقد تابوا من الردة.
قلت ذلك مما تختلف فيه الشرائع فلعل شرع موسى كان يقتضي أن يقتل التائب من الردة إما عاماً في حق الكل أو خاصاً في حق الذين عبدوا العجل ) ذلكم خير لكم عند بارئكم ( يعني القتل وتحمل هذه الشدة لأن الموت لا بد منه فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا : نصبر لأمر الله تعالى فجلسوا