صفحة رقم ٦١٥
وإيمانكم فيجازيكم على ذلك.
قوله عز وجل :( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ( قال أهل المعاني يعني أنه تعالى لا يحب الجهر بالسوء ولا غير الجهر به أيضاً من القول يعني من القول القبيح إلا من ظلم قيل هو استثناء متصل والمعنى إلا جهر من ظلم وقيل هو استثناء منقطع ومعناه لكن المظلموم يجوز أن يجهر بظلم الظالم قال العلماء لا يجوز إظهار أحوال الناس المستورة المكتومة لأن ذلك يصير سبباً لوقوع الناس في الغيبة ووقوع ذلك الشخص في الريبة لكن من ظلم فيجوز له إظهار ظلمه فيقول سرق مني أو غصب ونحو ذلك.
وإن شتم جاز له أن يشتم بمثله ولا يزيد شيئاً على ذلك ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ﷺ ) :( المستبان ما قالا فعلى الأول ) وفي رواية ( فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم ) أخرجه مسلم قال ابن عباس : لا يحب الله ان يدعو أحد إلا أن يكون مظلموماً فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله إلا من ظلم وإن صبر فهو خير له وقال الحسن البصري هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه ولكن ليقل : اللهم أعني عليه اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بيني وبين ما يريد ونحوه من الدعاء وقيل نزلت الآية في الضيف إذا نزل بقوم فلم يقروه ولم يحسنوا ضيافته فله أن يشكو ما صنع به قال مجاهد : هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج من عنده فيقول أساء ضيافتي وقال مقاتل نزلت في أبي بكر الصديق وذلك أن رجلاً نال منه والنبي ( ﷺ ) حاضر فسكت عنه أبو بكر مراراً ثم رد عليه فقام النبي ( ﷺ ) فقال أبو بكر يا رسول الله شتمني فلم تقل له شيئاً حتى إذا رددت عليه قمت ونزلت هذه الآية :( وكان الله سميعاً ( يعني لدعاء المظلوم ) عليماً ( بما في قلبه فليتق الله ولا يقل إلا الحق.
النساء :( ١٤٩ - ١٥١ ) إن تبدوا خيرا...
" إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا " ( قوله تعالى :( إن تبدوا خيراً ( قال ابن عباس يريد من أعمال البر كالصيام والصدقة والضيافة والصلة.
وقيل معناه إن تبدوا خيراً بدلاً من السوء ) أو تخفوه ( يعني تخفوا الخير فلم تظهروه وقيل معناه إن تبدوا حسنة فتعملوا بها تكتب لكم عشراً وإن هم بها ولم يعملها كتبت له واحدة وقيل إن جميع مقاصد الخيرات على كثرتها محصورة في قسمين : أحدهما صدق النية مع الحق.
والثاني التخلق مع الخلق فالذي يتعلق بالخلق ينحصر في قسمين أيضاً وهما إيصال نفع إليهم في السر والعلانية وإليه الإشارة بقوله تعالى :( إن تبدوا خيراً أو تخفوه ( أو رفع ضر عنهم وإليه الإشارة بقوله تعالى :( أو تعفوا عن سوء ( فيدخل في هاتين الكلمتين جميع أعمال البر وجميع دفع الضر، وقيل المراد بالخير المال والمعنى إن تبدوا الصدقة فتعطوها الفقراء جهراً أو تخفوها فتعطوها سراً أو تعفوا عن مظلمة ) فإن الله كان عفواً قديراً ( يعني لم يزل ذا عفو مع قدرته على الانتقام فاعفوا أنتم


الصفحة التالية
Icon