صفحة رقم ٦٢٤
الآية لأن الله أنزل عليه التوراة جملة واحدة وكان المقصود بذكر من ذكر من الأنبياء في الآية أنه لم ينزل على أحد منهم كتاباً جملة واحدة فلهذا لم يذكر موسى عليه السلام.
النساء :( ١٦٤ - ١٦٥ ) ورسلا قد قصصناهم...
" ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " ( قوله تعالى :( ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ( لما نزلت هذه الآية المتقدمة قالت اليهود ما لموسى لم يذكر ؟ فأنزل الله هذه الآية وفيها ذكر موسى عليه السلام والمعنى وأوحينا إلى رسل قد قصصنا عليك من قبل يعني سميناهم في القرآن وعرفناك أخبارهم وإلى من بعثوا وما ورد عليهم من قومهم ) ورسلاً لم نقصصهم عليك ( أي لم نسمهم لك ولم نعرفك أخبارهم قال أهل المعاني الذين نوه الله بذكرهم من الأنبياء يدل على تفضيلهم على من لم يذكر ولم يسم.
وقوله تعالى :( وكلم الله موسى تكليماً ( يعني خاطبه مخاطبة من غير واسطة لأن تأكيد كلم بالمصدر يدل على تحقيق الكلام وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بلا شك لأن أفعال المجاز لا تؤكد بالمصادر فلا يقال أراد الحائط يسقط إرادة.
وهذا رد على من يقول إن الله خلق كلاماً في محل فسمع موسى ذلك الكلام وقال الفراء العرب تسمى كل ما يوصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل لكن لا تحققه بالمصدر وإذا حقق بالمصدر لم يكن إلاّ حقق بالمصدر لم يكن إلاّ حقيقة الكلام فدل قوله تعالى تكليماً على أن موسى قد سمع كلام الله حقيقة من غير واسطة.
وروى الطبري بسنده من عدة طرق عن كعب الأحبار قال لما كلم الله موسى عليه السلام بالألسنة كلها قبل كلامه يعني كلام موسى بلسانه فجعل موسى يقول يا رب لا أفهم حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة فقال : يا رب هكذا كلامك قال لو سمعت كلامي يعني على وجهه لم تك شيئاً قال موسى : يا رب هل في خلقك شيء يشبه كلامك قال لا وأقرب خلقي شبهاً بكلامي أشد ما تسمع الناس من الصواعق قال بعض العلماء كما أن الله تعالى خص موسى عليه السلام بالتكليم وشرفه به ولم يكن ذلك قادحاً في نبوة غيره من الأنبياء فكذلك إنزال التوراة عليه جملة واحدة لم يكن قادحاً في نبوة من أنزل عليه كتابه متفرقاً من الأنبياء.
قوله عز وجل :( رسلاً مبشرين ومنذرين ( يعني :( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ( " ومن أولئك النبيين أرسلت رسلاً إلى خلقي مبشرين من أطاعني واتبع أمري وصدق رسلي بالثواب الجزيل في الجنة ومنذرين من عصاني وخالف أمري وكذب رسلي بالعذاب الأليم في النار.
وقيل هو جواب عن سؤال اليهود إنزال الكتاب جملة واحدة والمعنى أن المقصود من بعثة الرسول هو إرشاد الخلق إلى معرفة الله وتوحيده والإيمان به والاشتغال بعبادته وإنذار من خالف ذلك وهذا المقصود يحصل بإنزال الكتاب جملة واحدة وبإنزاله نجوماً متفرقة بل إنزاله متفرقاً أولى.
وذلك أن النفوس قبل بعثة الرسل وإنزال الكتب لم تكن تعرف شيئاً من العبادات ولم تألفها فإذا نزل الكتاب جملة واحدة وفيه جميع التكاليف ربما حصل في بعض نفوس العباد نفور العباد نفور من تلك التكاليف وتثقل عليهم كما أخبر الله عن قوم موسى بقوله تعالى :( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه ( " فلم يقبلوا أحكام التوراة إلاّ بعد شدة فلهذا السبب كان إنزال القرآن نجوماً متفرقة أولى.
وقوله تعالى :( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ( يعني بعد إرسال الرسل وإنزال الكتاب والمعنى لئلا يحتج الناس على الله في ترك التوحيد والطاعة بعدم الرسل فيقولوا ما أرسلت إلينا رسولاً وما أنزلت علينا كتاباً ففيه دليل على أنه لو لم يبعث الرسل لكان للناس عليه حجة


الصفحة التالية
Icon