صفحة رقم ٦٢٥
في ترك التوحيد والطاعة وفيه دليل على ان الله لا يعذب الخلق قبل بعثة الرسل كما قال تعالى :( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ( " وفيه دليل لمذهب أهل السنة على أن معرفة الله تعالى لا تثبت إلاّ بالسمع لأن قوله :( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ( يدل على أن قبل بعثة الرسل تكون لهم الحجة في ترك الطاعات والعبادات.
فإن قلت كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل والخلق محجوبون بما نصب من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى معرفته ووحدانيته كما قيل :
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
قلت الرسل منبهون من رقاد الغفلة والجهالة وباعثون الخلق إلى النظر في تلك الدلائل التي تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى ومبينون لها وهم وسائط بين الله تعالى وخلقه ومبينونه أحكام الله تعالى التي افترضها على عباده ومبلغون رسالته إليهم
( ق ) عن المغيرة بن شعبة قال : قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله ( ﷺ ) فقال :( أتعجبون من غيره سعد والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيره الله حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الجنة ) لفظ البخاري وفي لفظ مسلم ولا شخص أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين.
وقوله تعالى :( وكان الله عزيزاً ( يعني في انتقامه ممن خالف أمره وعصى رسله ) حكيماً ( يعني في إرساله الرسل.
النساء :( ١٦٦ - ١٧٠ ) لكن الله يشهد...
" لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما " ( قوله تعالى :( لكن الله يشهد بما أنزل إليك ( قال ابن عباس دخل على رسول الله ( ﷺ ) جماعة من اليهود فقال لهم :( إني والله أعلم أنكم لتعلمن أني رسول الله ) فقالوا ما نعلم ذلك فأنزل الله هذه الآية وفي رواية ابن عباس أن رؤوساء مكة أتوا رسول الله ( ﷺ ) فقالوا : يا محمد إنا سألنا عنك اليهود وعن صفتك في كتابهم فزعموا أنهم لا يعرفونك فأنزل الله عز وجل لكن الله يشهد بما أنزل إليك يعني إن جحدك هؤلاء اليهود يا محمد وكفروا بما أوحينا إليك وقالوا : ما أنزل الله على بشر من بشر من شيء فقد كذبوا فيما ادعوا فإن الله يشهد لك بالنبوة ويشهد بما أنزل إليك من كتابه ووحيه.
والمعنى أن اليهود وإن شهدوا أن القرآن لم ينزل عليك يا محمد لكن الله يشهد بأنه أنزل عليك وشهادة الله إنما عرفت بسبب أنه أنزل هذا القرآن البالغ في الفصاحة والبلاغة إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضته، والإيمان بمثله فكان ذلك معجزاً وإظهار المعجزة شهادة يكون المدعي صادقاً لا جرم قال الله تعالى لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله عليك ) أنزله بعلمه ( يعني أنه تعالى لما قال لكن الله يشهد بما أنزل إليك بين صفة ذلك الإنزال وهو أنه تعالى أنزله بعلم تام وحكمة بالغة وقيل معناه أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله عليك وأنك مبلغه إلى عباده وقيل معناه أنزله بما علم من مصالح عباده في إنزاله عليك ) والملائكة يشهدون ( يعني يشهدون بأن الله أنزله عليك ويشهدون بتصديقك وإنما عرفت شهادة الملائكة لأن الله تعالى إذا شهد بشيء شهدت الملائكة بذلك الشيء.
وقد ثبت أن الله يشهد بأنه أنزله بعلمه فلذلك الملائكة يشهدون بذلك ) وكفى بالله شهيداً ( يعني وحسبك يا محمد أن الله يشهد لك وكفى بالله شهيداً وإن لم يشهد معه أحد غيره ففيه تسلية للنبي ( ﷺ ) عن شهادة أهل الكتاب له فإن الله يشهد له وملائكته كذلك.
قوله عز وجل :( إن الذين كفروا ( يعني جحدوا نبوة محمد ( ﷺ ) وهم اليهود ) وصدوا عن سبيل الله ( يعني منعوا غيرهم عن الإيمان به بكتمان صفته