صفحة رقم ٧٣
تمنعون أنفسكم عن المعاصي.
فإن قلت كان حق القصة أن يقدم ذكر القتيل أولاً، ثم ذكر ذبح البقرة بعد ذلك.
فما وجه ترتيب هذه القصة على هذا الترتيب ؟ قلت : وجهه أن الله لما ذرك من قصص بني إسرائيل وما وجد من خياناتهم تقريعاً لهم على ذلك وما وجد فيهم من الآيات العظيمة، وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين في نفس الأمر، فالأولى لتقريعهم على ترك المسارعة إلى امتثال الأمر وما يتبعه والثانية لتقريعهم على قتل النفس المحرمة فلو قدم قصة القتيل على قصة الذبح لكانت قصة واحدة ولذهب الغرض من تثنية التقريع، فلهذا قدم ذكر الذبح أولاً ثم عقبه بذكر القتل.
فإن قلت ما فائدة ضرب القتيل ببعض البقرة والله تعالى قادر على أن يحييه ابتداء من غيره ضرب بشيء ؟ قلت : الفائدة فيه أن تكون الحجة أوكد وعن الحيلة أبعد لاحتمال أن يتوهم متوهم أن موسى عليه السلام، إنما أحياه بضرب من السحر والحيلة فإذا أحيي القتيل، عندما ضرب ببعض البقرة انتفت الشبهة، وعلم أن ذلك من عند الله وبأمره كان ذلك.
فإن قلت : هلا أمروا بذبح غير البقرة ؟ قلت : الكلام في غير البقرة لو أمروا به كالكلام في البقرة ثم في ذبح البقرة فوائد منها التقرب بالقرآن على ما كانت العادة جارية عندهم، ومنها أن هذا القربان كان عندهم من أعظم القرابين ومنها تحمل المشقة العظيمة في تحصيلها بتلك الصفة ومنها حصول ذلك المال العظيم الذي أخذه صاحبها من ثمنها.

فصل : في حكم هذه المسألة في شريعة الإسلام إذا وقعت


وذلك أن : إذا وجد قتيل في موضع، ولا يعرف قاتله فإن كان ثم لوث على إنسان ادعى به.
واللوه أن يغلب على الظن صدق المدعى بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء ثم تفرقوا عن قتيل فيغلب على الظن أن القاتل فيهم أو وجد قتيل في محلة أو قرية وكلهم أعداء القتيل لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على الظن أنهم قتلوه فإن ادعى الولي على بعضهم حلف خمسين يميناً على من يدعي عليه، وإن كان الأولياء جماعة توزع الإيمان عليهم فإذا حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المدعى عليه، إن ادعوا قتل خطأ، وإن ادعوا قتل عمد فمن مال المدعى عليه ولا قود عليه في قول الأكثرين، وذهب عمر بن عبدالعزيز إلى وجوب القود وبه قال مالك وأحمد فإن لم يكن ثم لوث فالقول قول المدعي عليه لأن الأصل براءة ذمته من القتل وهل يحلف يميناً واحداً أم خمسين يميناً ؟ فيه قولان : أحدهما : أنه يحلف يميناً واحدة كما في سائر الدعاوى.
والثاني : أنه يحلف خمسين يميناً تغليظاً لأمر القتيل، وعند أبي حنيفة لا حكم للوث ولا يبدأ بيمين المدعي بل إذا وجد قتيل في محله، يختار الإمام خمسين رجلاً من صلحاء أهلها فيحلفهم أنهم ما قتلوه ولا يعرفون له قاتلاً، فإن حلفوا وإلا أخذ الدية من سكانها.
والدليل على أن البداءة بيمين المدعي عند وجود اللوث.
ما روى عن سهل بن أبي خيثمة قال : انطلق عبدالله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خبير وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبدالله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه.
ثم قدم المدينة فانطلق عبدالرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي ( ﷺ ) فذهب عبدالرحمن يتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه :( كبر كبر وهو أحدث القوم سناً ) فسكت، فتكلما فقال أتحلفون وتستحقون


الصفحة التالية
Icon