صفحة رقم ٨٨
أن الكواكب هي المؤثرة في قلب الأعيان وروي عن الشافعي أنه قال : السحر يخيل ويمرض وقد يقتل حتى أوجب القصاص على من قتل به وقيل إن السحر يؤثر في قلب الأعيان فيجعل الإنسان على صورة الحمار، والحمار على صورة الكلب وقد يطير الساحر في الهواء، وهذا القول ضعيف عند أهل السنة لأنهم قالوا : إن الله تعالى هو الخالق الفاعل لهذه الأشياء عند عمل الساحر لذلك إلاّ أن الساحر هو الفاعل لها المؤثر فيها والأصح، أن السحر يخيل ويؤثر في الأبدان بالأمراض والجنون والموت، ويدل على ذلك أن للكلام تأثيراً في الطباع فقد يسمع الإنسان ما يكره فيحم، وقد مات قوم بكلام سمعوه فالسحر بمنزلة العلل في الأبدان وأما حكمه فإنه من الكبائر التي نهى عنها، ويحرم تعلمه لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن ؟ قال : الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلاّ بالحق، وأكل مال اليتيم والزنا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) أخرجاه في الصحيحين.
فعند رسول الله ( ﷺ ) السحر من الكبائر وثناه بالشرك وأمرنا باجتنابه، وقوله : الموبقات يعني المهلكات والسحر على قسمين : أحداهما، يكفر به صاحبه وهو أن يعتقد أن القدرة لنفسه في ذلك، وهو المؤثر أو يعتقد أن الكواكب هي المؤثرة الفعالة فإذا انتهى به السحر إلى هذه الغاية صار كافراً بالله تعالى، ويجب قتله لما روي عن جندب أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( حد الساحر ضربه بالسيف ) أخرجه الترمذي.
والقسم الثاني، من السحر وهو التخييل الذي يشاكل النيرنجيات والشعبذة، ولا يعتقد صاحبه لنفسه فيه قدرة ولا أن الكواكب هي المؤثرة ويعتقد أن القدرة لله تعالى، وأنه هو المؤثر فهذا القدر لا يكفر به صاحبه ولكنه معصية وهو من الكبائر، ويحرم فعله فإن قتل بسحره قتل قصاصاً لما روي عن مالك انه بلغه ان حفصة زوج النبي ( ﷺ ) قتلت جارية لها سحرتها وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت أخرجه في الموطأ.
قوله عز وجل :( وما أنزل على الملكين ( أي ويعلمون الذي أنزل على الملكين والإنزال هنا بمعنى الإلهام والتعليم أي ما ألهما وعلما وقرئ في الشاذ الملكين بكسر اللام.
قال : هما رجلان ساحران كانا ببابل.
وقيل : علجان ووجهه أن الملائكة لا يعلمون السحر والقراءة المشهورة بفتح اللام.
فإن قلت : كيف يجوز أن يضاف إلى الله تعالى إنزال ذلك على الملائكة وكيف يجوز للملائكة تعليم السحر ؟ قلت : قال ابن جرير الطبري أن الله تعالى عرف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه ثم أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه، ولو كان الأمر على غير ذلك لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم، والسحر مما نهى عباده من بني آدم عنه فغير منكر أن يكون الله تعالى علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم كما أخبر عنهما أنهم يقولان : لمن جاء يتعلم ذلك منهما : إنما نحن فتنة فلا تكفر ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن السحر وعن التفريق بين المرء وزوجه فيتمحض المؤمن بتركه التعليم منهما، ويجري الكافر بتعلمه الكفر والسحر منهما ويكون الملكان في تعليمهما ما علما من ذلك مطيعين لله تعالى إذ كان عن إذن الله تعالى، لهما بتعليم ذلك غير ضارهما سحر من سحر ممن تعلم ذلك منهما ما بعد نهيهما إياه عنه بقولهما إنما نحن فتنة فلا تكفر، إذ كانا قد أديا ما أمرا به.
وقال غيره ؛ إنهما لا يتعمدان ذلك بل يصفان السحر ويذكران بطلانه ويأمران باجتنابه فالشقي من ترك نصحهما، وتعلم السحر من وصفهما، والسعيد من قبل نصحهما وترك تعلم السحر منهما.
وقيل : إن الله تعالى امتحن الناس بهما في ذلك الزمان فالشقي من تعلم السحر منهما فيكفر به والسعيد من تركه فيبقى على إيمانه، ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن بني إسرائيل بنهر طالوت بقوله :( فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني ( ) ببابل ( قيل : هي بابل العراق بأرض الكوفة سميت بذلك لتبلبل الألسنة بها عند سقوط صرح نمرود.
وقيل : إنها بابل نهاوند والأول أصح أشهر ) هاروت وماروت ( اسمان سريانيان.
وقصة الآية على ما ذكره ابن عباس وغيره.
قالوا : إن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال