صفحة رقم ٩٠
بعضهم إلى أنها هي الزهرة بعينها وأنكر آخرون ذلك وقالوا : إن الزهرة من الكواكب السيارة السبعة التي أقسم الله بها فقال :( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس } " والتي فتنت هاروت وماروت كانت امرأة تسمى الزهرة لجمالها وحسنها فلما بغت مسخها الله تعالى شهاباً.
قالوا : فلما أمسى هاروت وماروت بعد ما قارفا الذنب، هما بالصعود إلى السماء فلم تطاوعهما أجنحتهما، فعلما ما حل بهما فقصدا إدريس النبي عليه السلام وأخبراه بأمرهما وسألاه أن يشفع لهما إلى الله عز وجل.
وقالا له : رأينا يصعد لك من العبادة مثل ما يصعد لجميع أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربك ففعل ذلك إدريس فخيرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
فاختاروا عذاب الدنيا إذ علما انه ينقطع، فهما ببابل يعذبان قيل : إنهما معلقان بشعورهما إلى قيام الساعة.
وقيل : إنهما منكوسان يضربان بسياط الحديد.
وقيل : إن رجلاً قصدهما ليتعلم السحر فوجدهما معلقين بأرجلهما مزرقة عيونهما مسودة جلودهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلاّ قدر أربع أصابع وهما يعذبان بالعطش، فلما رأى ذلك هاله فقال : لا إله إلاّ الله فلما سمعا كلامه قالا : لا إله إلاّ الله من أنت ؟ قال : رجل من الناس.
فقالا : من أي أمة أنت ؟ قال : من أمة محمد ( ﷺ ) قالا ؟ أو قد بعث محمد ( ﷺ ) قال : نعم فقال : الحمد لله وأظهر الاستبشار فقال الرجل مم استبشاركما ؟ قالا : إنه نبي الساعة وقد دنا انقضاء عذابنا.
فصل : في القول بعصمة الملائكة
أجمع المسلمون على أن الملائكة معصومون فضلاً، واتفق أئمة المسلمين على أن حكم الرسل من الملائكة حكم النبيين، سواء في العصمة في باب البلاغ عن الله عز وجل وفي كل شيء ثبتت فيه عصمة الأنبياء فكذلك الملائكة وأنهم مع الأنبياء في التبليغ إليهم، كالأنبياء مع أممهم، ثم اختلفوا في غير المرسلين من الملائكة فذهب طائفة من المحققين.
وجميع المعتزلة إلى عصمة جميع الملائكة عن جميع الذنوب والمعاصي، واحتجوا على ذلك بوجوه سمعية وعقلية، وذهب طائفة إلى أن غير المرسلين من الملائكة غير معصومين، واحتجوا على ذلك بوجوه سمعية وعقلية منها قصة هاروت وماروت عن علي وما نقله أهل الأخبار والسير.
ونقله ابن جرير الطبري في تفسيره عن جماعة من الصحابة والتابعين فنقل قصة هاروت وماروت بألفاظ متقاربة.
عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وكعب الأحبار والسدي والربيع ومجاهد.
وأجاب من ذهب إلى عصمة جميع الملائكة عن قصة هاروت وماروت، بأن ما نقله المفسرون وأهل الأخبار في ذلك لم يصح عن رسول الله ( ﷺ ) منه شيء وهذه الأخبار إنما أخذت من اليهود، وقد علمي افتراؤهم على الملائكة والأنبياء