صفحة رقم ٩١
وقد ذكر الله عز وجل في هذه الآيات، افتراء اليهود على سليمان أولاً، ثم عطف على ذلك قصة هاروت وماروت ثانياً، قالوا : ومعنى الآية وما كفر سليمان يعني بالسحر الذي افتعله عليه الشياطين، واتبعتهم في ذلك فأخبر عن افترائهم وكذبهم، وذكروا أيضاً في الجواب عن هذه القصة وأنها باطلة وجوهاً : الأول : إن في القصة أن الله تعالى قال : للملائكة لو ابتليتم بما ابتليت به بنو آدم لعصيتموني، قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك وفيه رد على الله تعالى وذلك كفر وقد ثبت أنهم كانوا معصومين قبل ذلك فلا يقع هذا منهم.
الوجه الثاني : أنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وذلك فاسد لأن الله تعالى لا يخير من أشرك، وإن كان قد صحت توبتهما فلا عقوبة عليهما.
الوجه الثالث أن المرأة لما فجرت فكيف يعقل أنها صعدت إلى السماء وصارت كوكباً وعظم الله قدرها بحيث أقسم بها في قوله :( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ( " فبان بهذه الوجوه ركة هذه القصة، والله أعلم بصحة ذلك وسقمه.
والأولى تنزيه الملائكة عن كل ما لا يليق بمنصبهم وقوله تعالى :( وما يعلمان من أحد حتى يقولا ( يعني وما يعلمان أحداً حتى ينصحاه أولاً ويقولا ) إنما نحن فتنة ( أي ابتلاء ومحنة ) فلا تكفر ( أي لا تتعلم السحر فتعمل به فتكفر، قيل : يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر سبع مرات فإن أبى قبول نصحهما وصمم على التعليم يقولان له : ائت هذا الرماد فبل عليه فإذا ذلك خرج منه نور ساطع في السماء فذلك الإيمان والمعرفة.
وينزل شيء أسود مثل الدخان حتى يدخل مسامعه وذلك غضب الله تعالى :( فيتعلمون منهما ( يعني من الملكين ) ما يفرقون به بين المرء وزوجه ( أي علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين، كالتمويه والتخييل والنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده البغضاء والنشوز، والخلاف بين الزوجين ابتلاء من الله تعالى لا أن السحر له تأثير في نفسه بدليل قوله :( وما هم ( يعني السحرة ) بضارين به ( أي بالسحر ) من أحد ( أي أحداً ) إلاّ بإذن الله ( أي بعلمه وقضائه وتكوينه فالساحر يسحر والله تعالى يقدر ويكون ذلك بقضائه تعالى وقدرته ومشيئته ) ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ( يعني السحر لأنهم يقصدون به الشر ) ولقد علموا ( يعني اليهود ) لمن اشتراه ( أي اختار السحر ) ما له في الآخرة من خلاق ( يعني ما له نصيب في الجنة ) ولبئس ما شروا به أنفسهم ( أي باعوا حط أنفسهم حيث اختاروا السحر والكفر على الدين والحق ) لو كانوا يعلمون ( فإن قلت : كيف أثبت الله لهم العلم أولاً في قوله : ولقد علموا على التوكيد القسمي ثم نفاه عنهم آخر في قوله لو كانوا يعلمون.
قلت : قد علموا أن من اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق ثم مع هذا العلم خالفوا واشتغلوا بالسحر وتركوا العمل بكتاب الله تعالى وما جاءت به الرسل عناداً منهم وبغياً، وذلك على معرفة منهم بما


الصفحة التالية
Icon