صفحة رقم ١٠٢
الذين تخلفوا عن رسول الله ( ﷺ ) في غزوة تبوك.
التوبة :( ٤٢ - ٤٥ ) لو كان عرضا...
" لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون " ( قوله عز وجل :( لو كان عرضاً قريباً ( فيه إضمار تقديره لو كان ما تدعوهم إليه عرضاً يعني غنيمة سهلة قريبة التناول والعرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومتاعها.
يقال : الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ) وسفراً قاصداً ( يعني سهلاً قريباً ) لاتبعوك ( يعني لخرجوا معك ) ولكن بعدت عليهم الشقة ( أي المسافة والشقة السفر البعيد، لأنه يشق على الإنسان سلوكها.
ومعنى الآية : لو كان العرض قريباً والغنيمة سهلة والسفر قاصداً لاتبعوك طمعاً في تلك المنافع التي تحصل لهم ولكن لما كان السفر بعيداً وكانوا يستعظمون غزو الروم لا جرم أنهم تخلفوا لهذا السبب ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم أنه إذا رجع النبي عليه السلام من هذا الجهاد يحلفون بالله وهو قوله تعالى :( وسيحلون بالله ( يعني المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله ( ﷺ ) في هذه الغزوة ) لو استطعنا لخرجنا معكم ( يعني إلى هذه الغزوة ) يهلكون أنفسهم ( يعني بسبب هذه الأيمان الكاذبة والنفاق وفيه دليل على أن الأيمان الكاذبة تهلك صاحبها ) والله يعلم إنهم لكاذبون ( يعني في أيمانهم وهو قولهم : لو استطعنا لخرجنا معكم لأنهم كانوا مستطيعين الخروج.
قوله عز وجل :( عفا الله عنك لم أذنت لهم ( قال الطبري : هذا عتاب من الله عز وجل عاتب الله به نبيه محمداً ( ﷺ ) أي في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه من المنافقين حين شخص إلى تبوك لغزو الروم.
والمعنى : عفا الله عنك يا محمد ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذين اسأذنوك في ترك الخروج معك إلى تبوك.
قال عمرو بن ميمون الأودي : اثنان فعلهما رسول الله ( ﷺ ) لم يؤمر بشيء فيهما إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من أسارى بدر فعاتبه الله كما تسمعون وقال سفيان بن عيينة : انظروا إلى هذا اللطف بدأه بالعفو قبل أن يعيره بالذنب.
( فصل )
استدل بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنوب من الأنبياء وبيانه من وجهين : أحدهما، أنه سبحانه وتعالى.
قال : عفا الله عنك والعفو يستدعي سابقة الذنب الوجه الثاني أنه سبحانه وتعالى قال لم أذنت لهم وهذا استفهام معناه الإنكار.
والجواب عن الأول : إنا لا نسلم أن قوله تعالى عفا الله عنك يوجب صدور الذنب بل نقول إن ذلك يدل على المبالغة في التعظيم والتوقير فهو كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظماً له عفا الله عنك ما صنعت في أمري رضي الله عنك ما جوابك عن كلامي وعافاك الله وغفر لك كل هذه الألفاظ في ابتداء الكلام وافتتاحه تدل على تعظيم المخاطب به قال علي بن الجهم يخاطب المتوكل.
عفا الله عنك إلا حرمة
تعود بفضلك أن أبعدا
ألم تر عبداً عدا طوره
ومولى عفا ورشيداً هدى
أقلني أقالك من لم يزل
يقيل ويصرف عنك الردى
والجواب عن الثاني : أنه لا يجوز أن يكون المراد بقوله لم أذنت لهم الإنكار عليه وبيانه : إما أن يكون قد صدر عنه ذنب في هذه الواقعة أولاً فإن كان قد صدر عنه ذنب فذكر الذنب بعد العفو لا يليق.
فقوله : عفا الله عنك، يدل على حصول العفو وبعد حصول العفو، يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه وإن لم يكن قد صدر عنه ذنب امتنع الإنكار عليه فثبت بهذا أن الإنكار