صفحة رقم ١٩٢
لم يلبثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من النهار.
وقيل : معناه كأنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار.
والوجه الأول أولى، لأن حال المؤمن والكافر سواء في عدم المعرفة بمقدار لبثهم في القبور إلى وقت الحشر، فتعين حمله على أمر يختص بحال الكافر وهو أنهم لما لم ينتفعوا بأعمارهم في الدنيا استقلوها.
والمؤمن لما انتفع بعمره في الدنيا لم يستقله.
وسبب استقلال الكفار : مدة مقامهم في الدنيا أنهم لما ضيعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص على ما فيها ولم يعملوا بطاعة الله فيها كان وجود ذلك كالعدم فلذلك استقلوه.
وقيل : إنهم لما شاهدوا أهوال يوم القيامة وطال عليهم ذلك، استقلوا مدة مقامهم في الدنيا، لأن مقامهم في الدنيا في جنب مقامهم في الآخرة قليل جداً ) يتعارفون بينهم ( يعني : يعرف بعضهم بعضاً إذا خرجوا من قبورهم كما كانوا يتعارفون في الدنيا ثم تنقطع المعرفة بينهم إذا عاينوا أهوال يوم القيامة، وفي بعض الآثار : أن الإنسان يوم القيامة يعرف من بجنبه ولا يقدر أن يكلمه هيبة وخشية، وقيل : إن أحوال يوم القيامة مختلفة ففي بعضها يعرف بعضها بعضاً وفي بعضها ينكر بعضهم بعضاً لهول ما يعاينون في ذلك اليوم ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( يعني أن من باع آخرته الباقية بدنياه الفانية قد خسر لأنه أثر الفاني على الباقي ) وما كانوا مهتدين ( يعني إلى ما يصلحهم وينجيهم من هذا الخسار.
يونس :( ٤٦ - ٥٠ ) وإما نرينك بعض...
" وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون " ( ) وإما نرينك ( يعني يا محمد ) بعض الذي نعدهم ( يعني ما نعدهم به من العذاب في الدنيا فذاك ) أو نتوفينك ( قبل أن نريك ذلك الوعد في الدنيا فإنك ستراه في الآخرة وهو قوله سبحانه وتعالى :( فإلينا مرجعهم ( يعني في الآخرة وفيه دليل على أن الله يري رسول الله ( ﷺ ) أنواعاً من عذاب الكافرين وذلهم وخزيهم في حال حياته في الدنيا وقد أراه ذلك في يوم بدر وغيره من الأيام وسير به ما أعد لهم من العذاب في الآخرة بسبب كفرهم وتكذيبهم ) ثم الله شهيد على ما يفعلون ( فيه وعيد وتهديد لهم يعني أنه سبحانه وتعالى شاهد على أفعالهم التي فعلوها في الدنيا فيجازيهم عليها يوم القيامة.
قوله عز وجل :( ولكل أمة رسول ( لما بيَّن الله عز وجل حال محمد ( ﷺ ) مع قومه بيَّن أن حال الأنبياء مع أممهم كذلك فقال تعالى : وكل أمة، يعني قد خلت وتقدمت قبلكم، رسول يعني : مبعوثاً إليهم يدعو إلى الله وإلى طاعته والإيمان به ) فإذا جاء رسولهم ( في هذا الكلام إضمار تقديره، فإذا جاءهم رسولهم وبلغهم ما أرسل به إليهم فكذبه قوم وصدقه آخرون ) قضي بينهم بالقسط ( يعني حكم بينهم بالعدل وفي وقت هذا القضاء والحكم بينهم قولان : أحدهما : أنه في الدنيا وذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى كل أمة رسولاً لتبليغ الرسالة وإقامة الحجة وإزالة العذر فإذا كذبوا رسلهم وخالفوا أمر الله قضى بينهم، وبين رسلهم في الدنيا فيهلك الكافرين وينجي رسلهم والمؤمنين ويكون ذلك عدلاً لا ظلماً لأن قبل مجيء الرسول لا يكون ثواباً ولا عقاباً.
القول الثاني : إن وقت القضاء في الآخرة وذلك أن الله إذا جمع الأمم يوم القيامة للحساب والقضاء بينهم والفصل بين المؤمن والكافر والطائع والعاصي جيء بالرسل لتشهد عليهم.
والمراد من ذلك، المبالغة في إظهار العدل، وهو قوله تعالى :( وهم لا يظلمون ( يعني من جزاء أعمالهم شيئاً ولكن يجازي كل أحد على قدر عمله.
وقيل : معناه أنهم لا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم ) ويقولون ( يعني هؤلاء