صفحة رقم ١٩٤
لا ينفعه الفداء ولا يقبل منه ) وأسرّوا الندامة ( يعني يوم القيامة، وإنما جاء بلفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة، لأن أحوال يوم القيامة لما كانت واجبة الوقوع، جعل الله مستقبلها كالماضي والإسرار يكون بمعنى الإخفاء وبمعنى الإظهار فهو من الأضداد، فلهذا اختلفوا في قوله : وأسروا الندامة.
فقال أبو عبيدة : معناه وأظهروا الندامة لأن ذلك اليوم ليس يوم تصبر وتصنع.
وقيل : معناه أخفوا، يعني أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء والأتباع خوفاً من ملامتهم إياهم وتعبيرهم لهم ) لما رأوا العذاب ( يعني : حين عاينوا العذاب وأبصروه ) وقضي بينهم بالقسط ( يعني وحكم بينهم بالعدل قيل بين المؤمن والكافر وقيل : بين الرؤساء والأتباع.
وقيل : بين الكفار لاحتمال أن بعضهم قد ظلم بعضاً فيؤخذ للمظلوم من الظالم وهو قوله سبحانه وتعالى :( وهم لا يظلمون ( يعني في الحكم لهم وعليهم بأن يخفف من عذاب المظلوم ويشدد في عذاب الظالم ) ألا إن لله ما في السموات والأرض ( يعني أن كل شيء في السموات والأرض لله ملك له لا يشركه فيه غيره فليس للكافر شيء يفتدي به من عذاب الله يوم القيامة لأن الأشياء كلها لله وهو أيضاً ملك لله فكيف يفتدي من هو مملوك لغيره بشيء لا يملكه ) ألا إن وعد الله حق ( يعني ما وعد الله به على لسان نبيه ( ﷺ ) ثواب الطائع وعقاب العاصي حق لا شك فيه ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( يعني حقيقة ذلك ) هو يحيي ويميت ( يعني الذي يملك ما في السموات والأرض قادر على الإحياء والإماتة لا يتعذر عليه شيء مما أراد ) وإليه ترجعون ( يعني بعد الموت للجزاء.
يونس :( ٥٧ - ٦٠ ) يا أيها الناس...
" يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون " ( قوله عز وجل :( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم ( قيل : أراد بالناس قريشاً.
وقيل : هو على العموم وهو الأصح وهو اختيار الطبري قد جاءتكم موعظة من ربكم يعني القرآن والوعظ زجر مقترن بتخويف.
وقال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب.
وقيل : الموعظة، ما يدعو إلى الصلاح بطريقة الرغبة والرهبة.
والقرآن داع إلى كل خير وصلاح بهذا الطريق ) وشفاء لما في الصدور ( يعني أن القرآن ذو شفاء لما في القلوب من داء الجهل وذلك لأن داء الجهل أضر للقلب من داء المرض للبدن.
وأمراض القلب هي : الأخلاق الذميمة والعقائد الفاسدة والجهالات المهلكة.
فالقرآن مزيل لهذه الأمراض كلها، لأن فيه الوعظ والزجر والتخويف والترغيب والترهيب والتحذير والتذكير فهو الدواء والشفاء لهذه الأمراض القلبية، وإنما خص الصدر بالذكر، لأنه موضع القلب وغلافه وهو أعز موضع في بدن الإنسان لمكان القلب فيه ) وهدى ( يعني وهو هدى من الضلالة ) ورحمة للمؤمنين ( يعني ونعمة على المؤمنين لأنهم هم الذين انتفعوا بالقرآن دون غيرهم ) قل بفضل الله وبرحمته ( الباء في بفضل الله متعلقة بمضمر استغنى عن ذكره لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله قد جاءتكم موعظة من ربكم.
والفضل هنا : بمعنى الإفضال ويكون معنى الآية على هذا يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهو القرآن بإفضال الله عليكم ورحمته بكم وإرادته الخير لكم ثم قال سبحانه وتعالى :( فبذلك فليفرحوا ( أشارة بذلك إلى القرآن لأن المراد بالموعظة والشفاء : القرآن فترك اللفظ وأشار إلى المعنى وقيل : فبذلك فليفرحوا إشارة إلى معنى الفضل والرحمة والمعنى فبذلك التطول والإنعام فليفرحوا قال الواحدي الفاء في قوله تعالى : فليفرحوا زائدة كقول الشاعر :
٨٩ ( فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ) ٨٩
" فالفاء في قوله فاجزعي، زائدة.
وقال صاحب الكشاف في معنى الآية بفضل الله وبرحمته فليفرحوا فبذلك.
فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقرير إيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة


الصفحة التالية
Icon