صفحة رقم ٢١٤
يعني : ماذا خلق الله في السموات والأرض من الآيات الدالة على وحدانيته ففي السموات الشمس والقمر وهما دليلان على النهار والليل والنجوم سخرها طالعة وغاربة وإنزال المطر من السماء وفي الأرض الجبال والبحار والمعادن والأنهار والأشجار والنبات كل ذلك آية دالة على وحدانية الله تعالى وأنه خالقها كما قال الشاعر :
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
) وما تغني الآيات والنذر ( يعني الرسل ) عن قوم لا يؤمنون ( وهذا في حق أقوام علم الله أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأزل من الشقاء.
يونس :( ١٠٢ - ١٠٦ ) فهل ينتظرون إلا...
" فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين " ( ) فهل ينتظرون ( يعني مشركي مكة ) إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( يعني من مضى من قبلهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل قال قتادة يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود.
والعرب تسمي العذاب أياماً والنعم أياماً كقوله تعالى وذكرهم بأيام الله والمعنى فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا يوماً يعاينون فيه العذاب مثل ما فعلنا بالأمم السالفة المكذبة أهلكناهم جميعاً فإن كانوا ينتظرون ذلك العذاب ف ) قل فانتظروا ( يعني : قل لهم يا محمد فانتظروا العذاب ) إني معكم من المنتظرين ( يعني : هلاككم، قال الربيع بن أنس : خوفهم عذابه ونقمته ثم أخبرهم أنه إذا وقع ذلك بهم أنجى الله رسله والذين آمنوا معهم من ذلك العذاب وهو قوله تعالى :( ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ( يعني من العذاب والهلاك ) كذلك حقاً علينا ننجي المؤمنين ( يعني كما أنجينا رسلنا، والذين آمنوا معهم من الهلاك كذلك ننجيك يا محمد والذين آمنوا معك وصدقوك من الهلاك والعذاب.
قال بعض المتكلمين : المراد بقوله حقاً علينا الوجوب لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم لا أنه واجب بسبب الاستحقاق لأنه قد ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئاً.
قوله سبحانه وتعالى :( قل يا أيها الناس ( الخطاب للنبي ( ﷺ ) أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك ) إن كنتم في شك من ديني ( يعني الذي أدعوكم إليه وإنما حصل الشك لبعضهم في أمره ( ﷺ ) لما رأى الآيات التي كانت تظهر على يد النبي ( ﷺ ) فحصل له الاضطراب والشك فقال إن كنتم في شك من ديني الذي أدعوكم إليه فلا ينبغي لكم أن تشكوا فيه لأنه دين إبراهيم عليه السلام وأنتم من ذريته وتعرفونه ولا تشكون فيه وإنما ينبغي لكم أن تشكوا في عبادتكم لهذا الأصنام التي لا أصل لها البتة فإن أصررتم على ما أنتم عليه ) فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ( يعني هذه الأوثان وإنما وجب تقديم هذا النفي لأن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا تليق لأخس الأشياء وهي الحجارة التي لا تنفع لمن عبدها ولا تضر لمن تركها ولكن تليق العبادة لمن بيده النفع والضر وهو قادر على الإماتة والإحياء وهو قوله سبحانه وتعالى :( ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ( والحكمة في وصف الله سبحانه وتعالى في هذا المقام بهذه الصفة أن المراد أن الذي يستحق العبادة أعبده أنا وأنتم هو الذي خلقكم أولاً ولم تكونوا شيئاً ثم يميتكم ثانياً ثم يحييكم بعد الموت ثالثاً، فاكتفى بذكر الوفاة تنبيهاً على الباقي، وقيل : لما كان الموت أشد الأشياء على النفس ذكر في هذا المقام ليكون أقوى في الزجر والردع وقيل إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله ولكن أعبد الله الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم ) وأمرت أن أكون من المؤمنين ( يعني وأمرني ربي أن أكون من المصدقين بما جاء من عنده قيل لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان


الصفحة التالية
Icon