صفحة رقم ٢٢٤
لما ذكر الله سبحانه وتعالى : في الآية المقتدمة الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر في هذه الآية من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة فقال سبحانه وتعالى افمن كان على بينة من ربه أي كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار وإنما حذف هذا الجواب لظهوره ودلالة الكلام عليه وقيل معناه أفمن كان على بينة من ربه وهو النبي ( ﷺ ) وأصحابه كمن هو في ضلالة وكفر والمراد بالبينة الدين الذي أمر الله به نبيه ( ﷺ ) وقيل المراد بالبينة اليقين يعني أنه على يقين من ربه أنه على الحق ) ويتلوه شاهد منه ( يعني ويتبعه من يشهد له بصدقه واختلفوا في الشاهد من هو، فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد وعكرمة والضحاك وأكثر المفسرين : أنه جبريل عليه السلام يريد أن جبريل يتبع النبي ( ﷺ ) ويؤيده ويسدده ويقويه وقال الحسن وقتادة هو لسان النبي ( ﷺ ) وروي عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى : عنه أنت التالي ؟ قال : وما تعني بالتالي ؟ قلت : قوله سبحانه وتعالى ويتلوه شاهد منه قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله ( ﷺ ) ووجه هذا القول إن اللسان لما كان يعرف عما في الجنان ويظهره جعل كالشاهد له لأن اللسان هو آلة الفضل والبيان وبه يتلى القرآن وقال مجاهد الشاهد هو ملك يحفظ النبي ( ﷺ ) ويسدده وقال الحسين بن الفضل : الشاهد هو القرآن لأن إعجازه وبلاغته وحسن نظامه يشهد للنبي ( ﷺ ) بنبوته ولأنه أعظم معجزاته الباقية على طول الدهر، وقال الحسين بن علي وابن زيد : الشاهد منه هو محمد ( ﷺ ) ووجه هذا القول أن من نظر إلى النبي ( ﷺ ) بعين العقل والبصيرة علم أنه ليس بكذاب ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون، وقال جابر بن عبد الله قال علي بن أبي طالب : ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان فقال له رجل وأنت أي آية نزلت فيك فقال على ما تقرأ الآية التي في هود ويتلوه شاهد منه فعلى هذا القول يكون الشاهد علي بن أبي طالب وقوله يعني من النبي ( ﷺ ) والمراد تشريف هذا الشاهد وهو علي لاتصاله بالنبي ( ﷺ ) وقيل يتلوه شاهد منه يعني الإنجيل وهو اختيار الفراء والمعنى أن الإنجيل يتلو القرآن في التصديق بنبوة محمد ( ﷺ ) والأمر بالإيمان به وإن كان قد نزل قبل القرآن.
وقوله سبحانه وتعالى :( ومن قبله ( يعني ومن قبل نزول القرآن وإرسال محمد ( ﷺ ) ) كتاب موسى ( يعني التوراة ) إماماً ورحمة ( يعني أنه كان إماماً لهم يرجعون إليه في أمور الدين والأحكام والشرائع وكونه رحمة لأنه الهادي من الضلال وذلك سبب حصول الرحمة وقوله تعالى :( أولئك يؤمنون به ( يعني أن الذين وصفهم الله بأنهم على بينة من ربهم هم المشار إليهم بقوله ولئك يؤمنون به يعني بمحمد ( ﷺ ) وقيل أراد الذين أسلموا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ) ومن يكفر به ( يعني بمحمد ( ﷺ ) ) من الأحزاب ( يعني من جميع الكفار وأصحاب الأديان المختلفة فتدخل فيه اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وغيرهم والأحزاب والفرق الذين تحزبوا وتجمعوا على مخالفة الأنبياء ) فالنار موعده ( يعني في الآخرة روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( ﷺ ) ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )