صفحة رقم ٢٤٨
وقيل : بتقويم لسان الميزان وتعديل المكيال ) ولا تبخسوا الناس ( أي : ولا تنقصوا الناس ) أشياءهم ( يعني أموالهم فإن قلت قد وقع التكرار في هذه القصة من ثلاثة أوجه لأنه قال ولا تنقصوا المكيال والميزان، ثم قال : أوفوا المكيال والميزان وهذا عين الأول ثم قال ولا تبسخوا الناس أشياءهم وهذا عين ما تقدم فما الفائدة في هذا التكرار.
قلت : إن القوم لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح وهو تطفيف الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم احتيج في المنع إلى المبالغة في التأكيد والتكرير يفيد شدة الاهتمام والعناية بالتأكيد فلهذا كرر ذلك ليقوي الزجر والمنع من ذلك الفعل لأن قوله ولا تنقصوا المكيال والميزان نهى عن التنقيص وقوله أوفوا المكيال والميزان أمر بإيفاء العدل وهذا غير الأول ومغاير له ولقائل أن يقول النهي ضد الأمر فالتكرار لازم على هذا الوجه قلنا الجواب عن هذا قد يجوز أن ينهى عن التنقيص ولا يأمر بإيفاء الكيل والوزن فلهذا جمع بينهما فهو كقولك صل رحمك ولا تقطعها فتريد المبالغة في الأمر والنهي وأما قوله ثانياً ولا تبخسوا الناس أشياءهم فليس بتكرير أيضاً لأنه سبحانه وتعالى لما خصص النهي عن التنقيص والأمر بإيفاء الحق في الكيل والوزن عمم الحكم في جميع الأشياء التي يجب إيفاء الحق فيها فيدخل فيه الكيل والوزن وغير ذلك فظهر بهذا البيان فائدة التكرار والله أعلم ؟ وقوله سبحانه وتعالى :( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( يعني بتنقيص الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم.
هود :( ٨٦ - ٨٩ ) بقية الله خير...
" بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد " ( ) بقيت الله خير لكم ( قال ابن عباس يعني ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير لكم مما تأخذونه بالتطفيف وقال مجاهد بقية الله يعني طاعة الله خير لكم وقيل بقية الله يعني ما أبقاه لكم من الثواب في الآخرة خير لكم مما يحصل لكم في الدنيا من المال الحرام ) إن كنتم مؤمنين ( يعني مصدقين بما قلت لكم وأمرتكم به ونهيتكم عنه ) وما أنا عليكم بحفيظ ( يعني أحفظ أعمالكم قال بعضهم إنما قال لهم شعيب ذلك لأنه لم يؤمر بقتالهم ) قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ( يعني من الأصنام ) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( يعني من الزيادة والنقصان، قال ابن عباس : كان شعيب كثير الصلاة فلذلك قالوا هذا وقيل إنهم كانوا يمرون ب فيرونه يصلي فيستهزئون به ويقولون هذه المقالة، وقال الأعمش : أقراءتك لأن الصلاة تطلق على القراءة والدعاء وقيل المراد بالصلاة هنا الدين يعني أدينك يأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا وأن نفعل في أموالنا ما نشاء وذلك أنهم كانوا ينقصون الدراهم والدنانير فكان شعيب عليه السلام ينهاهم عن ذلك ويخبرهم أنه محرم عليهم وإنما ذكر الصلاة لأنها من أعظم شعائر الدين ) إنك لأنت الحليم الرشيد ( قال ابن عباس : أرادوا السفيه الغاوي لأن العرب قد تصف الشيء بضده فيقولون للديغ سليم وللفلاة المهكلة مفازة، وقيل : هو على حقيقته وإنما قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية، وقيل : معناه إنك لأنت الحليم الرشيد في زعمك وقيل هو على بابه من الصحة ومعناه إنك يا شعيب فينا حليم رشيد فلا يحمل بك شق عصا قومك ومخالفتهم في دينهم ) قال ( يعني قال لهم شعيب ) يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( يعني : على بصيرة وهداية وبيان ) ورزقني منه رزقاً حسناً ( يعني حلالاً قيل كان شعيب كثير المال الحلال والنعمة وقيل الرزق الحسن ما أتاه الله