صفحة رقم ٢٧٥
هذا ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( ﷺ ) قال : يقول الله تبارك وتعالى :( إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة واحدة وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له عشرة ) لفظ مسلم وللبخاري بمعناه
( ق ).
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ( ﷺ ) قال فيما يرويه عن ربه عز وجل قال ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هم بها وعملها كتبها الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن همّ بسيئة ولم يعملها كتبها الله له عنده حسنة وإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عليه سيئة واحدة ) زاد في رواية أو محاها ( ولن يهلك على الله إلا هالك ) قال القاضي عياض في كتابه الشفاء فعلى مذهب كثير من الفقهاء المحدثين إن هم النفس لا يؤاخذ به وليس سيئة وذكر الحديث المتقدم فلا معصية في هم يوسف إذن وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وطنت عليه النفس كان سيئة وأما مالم لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه هذا هو الحق فيكون إن شاء الله هم يوسف من هذا ويكون قوله وما أبرئ نفسي الآية أي ما أبرئها من هذا الهم أو يكون ذلك على طريق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكي قبل وبرئ فكيف وحكى أبو حاتم عن عبيدة أن يوسف عليه الصلاة والسلام لم يهم وأن الكلام فيه تقديم وتأخير أي ولقد همت به ولولا أن أري برهان ربه لهمّ بها وقال تعالى حاكياً عن المرأة ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وقال تعالى : كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، وقال تعالى : وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله الآية وقيل في قوله وهم بها أي بزجرها ووعظها وقيل هم بها أي همه امتناعه وقيل هم بها أي نظر إليها وقيل هم بضربها ودفعها وقيل هذا كله كان قبل نبوته وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة زليخا حتى نبأه الله فألقى عله هيبة النبوة فشغلت هيبته كل من رآه عن حسه هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله، وأما الإمام فخر الدين فذكر في هذا المقام كلاماً طويلاً مبسوطاً وأنا أذكر بعضه ملخصاً، فأقول قال الإمام فخر الدين الرازي : إن يوسف عليه الصلاة والسلام كان بريئاً من العمل الباطل والهم المحرم وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذب فإن الدلائل قد دلت على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا يلتفت إلى ما نقله بعض المفسرين عن الأئمة المتقدمين فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متى صدرت منهم زلة أو هفوة استعظموها وأتبعوها فإظهار الندامة والتوبة والاستغفار كما ذكر عن آدم عليه السلام في قوله ظلمنا أنفسنا الآية وقال في حق داود عليه الصلاة والسلام فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب وأما يوسف عليه الصلاة والسلام فلم يحك عنه شيئاً في ذلك في هذه الواقعة لأنه لو صدر منه شيء لأتبعه بالتوبة والاستغفار ولو أتى بالتوبة