صفحة رقم ٣١٧
والرفع النقل إلى لعلو ) وخروا له سجداً ( يعني يعقوب وخالته ليا وإخوته وكانت تحية الناس يومئذ السجود وهو الانحناء والتواضع ولم يرد به حقيقة السجود مع وضع الجبهة على الأرض على سبيل العبادة.
فإن قلت كيف استجاز يوسف عليه السلام أن يسجد له أبوه وهو أكبر منه وأعلى منصباً في النبوة والشيخوخة ؟ قلت : يحتمل أن الله تعالى أمر بذلك لتحقيق رؤياه، ثم في معنى هذا السجود قولان : أحدهما أنه كان انحناء على سبيل التحية كما تقدم فلا إشكال فيه، والقول الثاني أنه كان حقيقة السجود وهو وضع الجبهة على الأرض وهو مشكل لأن السجود على هذه الصورة لا ينبغي أن يكون إلا لله تعالى، وأجيب عن هذا الإشكال بأن السجود كان في الحقيقة لله تعالى على سبيل الشكر له وإنما كان يوسف كالقبلة كما سجد الملائكة لآدم ويدل على صحة هذا التأويل قوله ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وظاهر هذا يدل على أنهم لما صعدوا على السرير خروا سجداً لله تعالى ولو كان ليوسف لكان قبل الصعود لأن ذلك أبلغ من التواضع.
فإن قلت يدفع صحة هذا التأويل قوله ) رأيتهم لي ساجدين ( " وقوله ) خروا له سجداً ( فإن الضمير يرجع إلى أقرب المذكورات وهو يوسف عليه الصلاة والسلام.
قلت : يحتمل أن يكون المعنى وخروا لله سجداً لأجل يوسف واجتماعهم به وقيل يحتمل أن الله أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية وهي أن إخوة يوسف ربما احتملتهم الأنفة والتكبر عن السجود ليوسف فلما رأوا أن أباهم قد سجد له سجدوا له أيضاً فتكون هذه السجدة على سبيل التحية والتواضع لا على سبيل العبادة وكان ذلك جائزاً في ذلك الزمان فلما جاء الإسلام نسخت هذه الفعلة والله أعلم بمراده وأسرار كتابه ) وقال ( يعني وقال يوسف عند ما رأى ذلك ) يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل ( يعني هذا تصديق الرؤيا التي رأيت في حال الصغر ) قد جعلها ربي حقاً ( يعني في اليقظة واختلفوا فيما بين رؤياه وتأويلها فقال سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد أربعون سنة، وقال أبو صالح عن ابن عباس : اثنتان وعشرون سنة، وقال سعيد بن جبير وعكرمة والسدي : ست وثلاثون سنة، وقال قتادة : خمس وثلاثون سنة، وقال عبد الله بن سودون : سبعون سنة، وقال الفضيل بن عياض : ثمانون سنة، حكى هذه الأقوال كلها ابن الجوزي وزاد غيره عن الحسن : أن يوسف كان عمره حين ألقي في الجب سبع عشرة سنة وأقام في العبودية والسجن والملك مدة ثمانين سنة وأقام مع أبيه وإخوته وأقاربه مدة ثلاث وعشرين سنة وتوفاه الله وهو ابن مائة وعشرين سنة وقوله ) وقد أحسن بي ( يعني أنعم عليّ يقال أحسن بي وإليّ بمعنى واحد ) إذ أخرجني من السجن ( إنما ذكر إنعام الله عليه في إخراجه من السجن وإن كان الجب أصعب منه استعمالاً للأدب والكرم لئلا يخجل إخوته بعد أن قال لهم لا تثريب عليكم اليوم ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن كانت أعظم من إخراجه من الجب وسبب ذلك أن خروجه من الجب كان سبباً لحصوله في العبودية والرق وخروجه من السجن كان سبباً لوصوله إلى الملك وقيل إن دخوله الجب كان لحسد إخوته ودخوله السجن كان لزوال التهمة عنه وكان ذلك من أعظم نعمه عليه ) وجاء بكم من البدو ( يعني من البادية وأصل البدو والبسيط من الأرض يبدو الشخص فيه من بعد يعني يظهر والبدو خلاف الحضر والبادية خلاف الحاضرة وكان يعقوب وأولاده أصحاب ماشية فسكنوا البادية