صفحة رقم ٣١٨
) من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( يعني أفسد ما بيننا بسبب الحسد وأصل النزغ دخول في أمر لإفساده واستدل بهذه الآية من يرى بطلان الجبر من المبتدعة قالوا لأن يوسف أضاف الإحسان إلى الله وأضاف النزغ إلى الشيطان ولو كان من فعل الله لوجب أن ينسب إليه كما في الإحسان والنعم، والجواب عن هذا الاستدلال أن إسناد الفعل إلى الشيطان وإضافته إليه على سبيل المجاز وإن كان ظاهر اللفظ يقتضي إضافة الفعل إلى الشيطان لا على الحقيقة لأن الفاعل المطلق المختار هو الله تعالى في الحقيقة ) قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( " فثبت بذلك أن الكل من عند الله وبقضائه وقدره ليس للشيطان فيه مدخل إلا بإلقاء الوسوة والتحريش لإفساد ذات البين وذلك بإقدار الله إياه على ذلك ) إن ربي لطيف لما يشاء ( يعني أنه تعالى ذو لطف عالم بدقائق الأمور وخفياتها.
قال صاحب المفردات : وقد يعب باللطف عما تدركه الحاسة ويصح أن يكون وصف الله تعالى به على هذا الوجه وأن يكون لمعرفه بدقائق الأمور وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم، وقوله : إن ربي لطيف لما يشاء، أي حسن الاستخراج تنبيهاً على ما أوصل إلى يوسف حين ألقاه إخوته في الجب.
وقيل إن اجتماع يوسف بأبيه وإخوته بعد طول الفرقة وحسد إخوته له وإزالة ذلك مع طيب الأنفس وشدة المحبة كان من لطف الله بهم حيث جعل ذلك كله لأن الله تعالى إذا أراد أمراً هيأ أسبابه ) إنه هو العليم ( يعني بمصالح عباده ) الحكيم ( في جميع أفعاله.
قال أصحاب الأخبار والتواريخ : إن يعقوب عليه الصلاة والسلام أقام عنه يوسف بمصر أربعاً وعشرين سنة في أهنأ عيش وأنعم بال وأحسن حال فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند قبر أبيه إسحاق في الأرض المقدسة بالشام فلما مات يعقوب عليه السلام بمصر فعل يوسف ما أمره به أبوه فحمل جسده في تابوت من ساج حتى قدم به الشام فوافق ذلك موت العيص أخي يعقوب وكانا قد ولدا في بطن واحد فدفنا في قبر واحد وكان عمرهما مائة وسبعاً وأربعين سنة فلما دفن يوسف أباه وعمه رجع إلى مصر.
قالوا لما جمع الله شمل يوسف عليه الصلاة والسلام بأبيه وإخوته علم أن نعيم الدنيا زائل سريع الفناء لا يدوم فسأل الله حسن العاقبة والخاتمة الصالحة.
يوسف :( ١٠١ ) رب قد آتيتني...
" رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " ( ) رب ( أي يا رب ) قد آتيتني من الملك ( يعني من ملك مصر ومن هنا للتبعيض لأنه لم يؤت ملك مصر كله بل كان فوقه ملك آخر والملك عبارة عن الاتساع في المقدور لمن له السياسة والتدبير ) وعلمتني من تأويل الأحاديث ( يعني تعبير الرؤيا ) فاطر السموات والأرض ( يعني خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق.
وأصل الفطر الشق يقال فطر ناب البعير إذا شق وظهر وفطر الله الخلق أوجده وأبدعه ) أنت وليي ( يعني معيني ومتولي أمري ) في الدنيا والآخرة توفني مسلماً ( أي اقبضني إليك مسلماً.
واختلفوا هل هو طلب للوفاة في الحال أم لا على قولين :
أحدهما : أنه سأل الله الوفاة في الحال، قال قتادة : لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف قال أصحاب هذا القول وإنه لم يأت عليه أسبوع حتى توفي.
والقول الثاني : أنه سأل الوفاة على الإسلام ولم يتمن الموت في الحال قال الحسن إنه عاش بعد هذه سنين كثيرة فعلى هذا القول يكون معنى الآية توفني إذا توفتني على الإسلام فهو طلب لأن يجعل الله وفاته على الإسلام وليس في اللفظ ما يدل على أنه طلب الوفاة في الحال، قال بعض العلماء وكلا القولين محتمل لأن اللفظ صالح