صفحة رقم ٣١٩
للأمرين ولا يبعد من الرجل العاقل الكامل أن يتمنى الموت لعلمه أن الدنيا ولذاتها فانية زائلة سريعة الذهاب وأن نعيم الآخرة باق دائم لا نفاذ له ولا زوال ولا يمنع من هذا قوله ( ﷺ ) ( لا يتمن أحدكم الموت لضر نزل به ) فإن تمني الموت عند وجود الضر ونزول البلاء مكروه والصبر عليه أولى وقوله :( وألحقني بالصالحين ( أراد به بدرجة آبائه وهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام قال علماء التاريخ عاش يوسف مائة وعشرين سنة وفي التوارة مائة وعشر سنين وولد ليوسف من امرأة العزيز ثلاثة أولاد أفراثيم وميشا ورحمة امرأة أيوب وقيل عاش بعد أبيه ستين سنة وقيل أكثر.
ولما مات يوسف عليه الصلاة والسلام دفنوه في النيل في صندوق من رخام وقيل من حجارة المرمر وذلك أنه لما مات يوسف تشاحن الناس فيه فطلب كل أهل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته حتى هموا أن يقتتلوا ثم رأوا أن يدفنوه في النيل بحيث يجري الماء عليه ويتفرق عنه وتصل بركته إلى جميعهم وقال عكرمة إنه دفن في الجانب الأيمن من النيل فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر فنقل إلى الجانب الإيسر فأخصب وأجدب الجانب الأيمن فدفنوه في وسط النيل وقدروه بسلسلة فأخصب الجانبان فبقي إلى أن أخرجه موسى عليه الصلاة والسلام وحمله معه حتى دفنه بقرب آبائه بالشام في الأرض المقدسة.
يوسف :( ١٠٢ - ١٠٦ ) ذلك من أنباء...
" ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " ( قوله عز جل :( ذلك ( يعني الذي ذكرت لك يا محمد من قصة يوسف وما جرى له مع إخوته، ثم إنه صار إلى الملك بعد الرق ) من أنباء الغيب ( يعني أخبار الغيب ) نوحيه إليك ( يعني الذي أخبرناك به من أخبار يوسف وحي أوحيناه إليك يا محمد وفي هذه الآية دليل قاطع على صحة نبوة محمد ( ﷺ ) لأنه كان رجلاً أمياً لم يقرأ الكتب ولم يلق العلماء ولم يسافر إلى بلد آخر غير بلده الذي أنشأ فيه ( ﷺ ) وأنه نشأ بين أمة أمية مثله، ثم إنه ( ﷺ ) أتى بهذه القصة الطويلة على أحسن ترتيب وأبين معان وأفصح عبارة فلعم بذلك أن الذي أتى به هو وحي إلهي ونور قدسي سماوي فهو معجزة له قائمة إلى آخر الدهر.
وقوله تعالى :( وما كنت لديهم ( يعني وما كنت يا محمد عند أولاد يعقوب ) إذا أجمعوا أمرهم ( يعني حين عزموا على إلقاء يوسف ( ﷺ ) في الجب ) وهم يمكرون ( يعني بيوسف ) وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ( الخطاب للنبي ( ﷺ ) والمعنى