صفحة رقم ٨٤
التوبة :( ٣١ ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم...
" اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون " ( قوله سبحانه وتعالى :( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ( يعني اتخذ اليهود والنصارى علماءهم وقراءهم والأحبار العلماء من اليهود والرهبان أصحاب الصوامع من النصارى أرباباً من دون الله يعني أنهم أطاعوهم في معصية الله تعالى وذلك أنهم أحلوا لهم أشياء وحرموا عليهم أشياء من قبل أنفسهم فأطاعوهم فيها فاتخذوهم كالأرباب لأنهم عبدوهم واعتقدوا فيهم الإلهية.
عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي ( ﷺ ) وفي عنقي صليب من ذهب فقال :( يا عدي اطرح عنك هذا الوثن ) وسمعته يقرأ في سورة براءة ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ( فقال : أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه ( أخرجه الترمذي وقال : حديث غريب.
قال عبد الله بن المبارك :
وهل بدل الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها
) والمسيح ابن مريم ( يعني اتخذوه إلهاً وذلك لما اعتقدوا فيه النبوة والحلول اعتقدوا فيه الإلهية ) وما أمروا ( يعني وما أمروا في الكتب القديمة المنزلة عليهم على ألسنة أنبيائهم ) إلا ليعبدوا إلهاً واحداً ( لأنه سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة لا غيره ) لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ( أي تعالى الله وتنزه عن أن يكون له شريك في العبادة والأحكام وأن يكون له شريك في الإلهية يستحق التعظيم والإجلال.
التوبة :( ٣٢ - ٣٣ ) يريدون أن يطفئوا...
" يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " ( ) يريدون ( يعني يريد رؤساء اليهود والنصارى ) أن يطفئوا نور الله بأفواههم ( يعني يريد هؤلاء إبطال دين الله الذي جاء به محمد ( ﷺ ) بتكذيبهم إياه.
وقيل المراد : من النور الدلائل الدالة على صحة نبوته ( ﷺ ) وهي أمور أحدها المعجزات الباهرات الخارقة للعادة التي ظهرت على يد النبي ( ﷺ ) الدالة على صدقه وثانيها القرآن العظيم الذي نزل عليه من عند الله فهو معجزة له باقية على الأبد دالة على صدقه وثالثها أن دينه الذي أمر به هو دين الإسلام ليس فيه شيء سوى تعظيم الله والثناء عليه والانقياد لأمره ونهيه واتباع طاعته والأمر بعبادته والتبرئ من كل معبود سواه فهذه أمور نيرة ودلائل واضحة في صحة نبوة محمد ( ﷺ ) فمن أراد إبطال ذلك بكذب وتزوير فقد خاب سعيه وبطل عمله ثم إن الله سبحانه وتعالى وعد نبيه محمداً ( ﷺ ) بمزيد النصر وإعلاء الكلمة وإظهار الدين بقوله :( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( يعني ويأبى الله أن يعلي دينه ويظهر كلمته ويتم الحق الذي بعث به رسوله محمداً ( ﷺ ) ولو كره ذلك الكافرون.
قوله عز وجل :( هو الذي أرسل رسوله ( يعني أن الله الذي يأبى إلا أن يتم نوره هو الذي أرسل رسوله يعني محمداً ( ﷺ ) ) بالهدى ( يعني بالقرآن الذ أنزله عليه وجعله هادياً إليه ) ودين الحق ( يعني دين الإسلام ) ليظهره ( يعني ليعليه ) على الدين كله ( يعني على سائر الأديان وقال ابن عباس : الهاء في ليظهره