صفحة رقم ١٠٩
فلان لكان كذا ولولا فلان لما كان كذا وقيل إنهم يعترفون بأن الله أنعم بهذه النعم، ولكنهم لا يستعملونها في طلب رضوانه ولا يشكرونه عليها ) وأكثرهم الكافرون ( إنما قال الله سبحانه وتعالى أكثرهم الكافرون مع أنهم كانوا كلهم كافرين، لأنه كان فيهم من لم يبلغ بعد حد التكليف فعبر بالأكثر عن البالغين، وقيل : أراد بالأكثر الكافرين الحاضرين المعاندين، وقد كان فيهم من ليس بمعاند وإن كان كافراً وقيل إنه عبر بالأكثر عن الكل لأنه قد يذكر الأكثر، ويراد به الجمع قوله سبحانه وتعالى ) ويوم نبعث من كل أمة شهيداً ( لما ذكر الله سبحانه وتعالى نعمه على الكافرين وإنكارهم لها، وذكر أن أكثرهم كافرون، أتبعه بذكر الوعيد لهم في الآخرة فقال تعالى :( ويوم نبعث من كل أمة شهيداً ( يعني رسولاً وذلك اليوم، هو يوم القيامة والمراد بالشهداء : الأنبياء يشهدون على أممهم بإنكار نعم الله عليهم وبالكفر ) ثم لا يؤذن للذين كفروا ( يعني في الاعتذار وقيل لا يؤذن لهم في الكلام أصلاً.
وقيل لا يؤذن لهم بالرجوع إلى دار الدنيا فيعتذروا ويتوبوا وقيل : لا يؤذن لهم في معارضة الشهود بل يشهدون عليهم ويقرونهم على ذلك ) ولا هم يستعتبون ( الاستعتاب : طلب العتاب، والمعتبة : هي الغلظة والموجدة التي يجدها الإنسان في نفسه على غيره، والرجل إنما يطلب العتاب من خصمه ليزيل ما في نفسه عليه من الموجدة والغضب، ويرجع إلى الرضا عنه وإذ لم يطلب العتاب منه دل ذلك على أنه ثابت على غضبه عليه، ومعنى الآية : أنهم لا يكلفون أن يرضوا ربهم في ذلك اليوم، لأن الآخرة ليست دار غضبه عليه، ومعنى الآية أنهم لا يكلفون أن يرضوا ربهم في ذلك اليوم لأن الآخرة ليست دار تكليف ولا يرجعون إلى الدنيا فيتوبوا ويرجعوا يرضوا ربهم فالاستعتاب : التعرض لطلب الرضا، وهذا باب مسند على الكفار في الآخرة ) وإذا رأى الذين ظلموا ( يعني ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي ) العذاب ( يعني عذاب جهنم ) فلا يخفف عنهم ( يعني العذاب ) ولا هم ينظرون ( يعني لا يؤخرون ولايمهلون ) وإذا رأى الذين أشركوا ( يعني يوم القيامة ) شركاءهم ( يعني أصنامهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا ) قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك ( يعني أرباباً وكنا نعبدهم ونتخذهم آلهة ) فألقوا ( يعني الأصنام ) إليهم ( يعني إلى عابديها ) القول إنكم لكاذبون ( يعني أن الأصنام قالت للكفار : إنكم لكاذبون يعني في تسميتنا آلهة وما دعوناكم إلى عبادتنا.
فإن قلت : الأصنام جماد لا تتكلم فكيف يصح منها الكلام ؟.
قلت : لا يبعد أن الله سبحانه وتعالى لما بعثها، وأعادها في الآخرة، خلق فيها الحياة والنطق والعقل حتى قالت ذلك.
والمقصود من إعادتها وبعثها، أن تكذب الكفار ويراها الكفار وهي في غاية الذلة والحقارة، فيزدادون بذلك غماً وحسرة ) وألقوا ( يعني المشركين ) إلى الله يؤمئذ السلم ( يعني أنهم استسلموا له، وانقادوا لحكمه فيهم ولم تغن عنهم آلهتهم شيئاً ) وضل عنهم ( يعني وزال عن المشركين ) ما كانوا يفترون ( يعني ما كانوا يكذبون في الدنيا في قولهم، إن الأصنام تشفع لهم ) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ( يعني ضموا مع كفرهم أنهم منعوا الناس عن الدخول في الإيمان بالله ورسوله ) زدناهم عذاباً فوق العذاب ( يعني زدناهم هذه الزيادة بسبب صدهم عن سبيل الله مع ما يستحقونه من العذاب على كفرهم الأصلي، واختلفوا في هذه الزيادة ما هي فقال عبد الله بن مسعود : عقارب لها أنياب، كأمثال النخل الطوال.