صفحة رقم ١١١
عيينة في هذه الآية : العدل استواء السر والعلانية، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته والفحشاء والمنكر البغي، أن تكون علانتيه أحسن من سريريته، وقال بعضهم : إن الله سبحانه وتعالى ذكر من المأمورات ثلاثة أشياء، ومن المنهيات ثلاثة أشياء، فذكر : العدل وهو الإنصاف، والمساواة في الأقوال والأفعال وذكر في مقابلته الفحشاء، وهي ما قبح من الأقوال والأفعال وذكر الإحسان، وهو أن تعفو عمن ظلمك وتحسن إلى من أساء إليك وذكر في مقابلته المنكر، وهو أن تنكر إحسان من أحسن إليك، وذكر إيتاء ذي القربى، والمراد به صلة القرابة والتودد إليهم، والشفقة عليهم وذكر في مقابلته البغي، وهو أن يتكبر عليهم أو بظلمهم حقوقهم ثم قال تعالى ) يعظكم لعلكم تذكرون ( يعني إنما أمركم بما أمركم به ونهاكم عما نهاكم عنه، لكي تتعظوا وتتذكروا فتعملوا، بما فيه رضا الله تعالى.
قال ابن مسعود : إن أجمع آية في القرآن لخير وشر هذه الآية.
وقال أهل المعاني : لما قال الله تعالى في الآية الأولى، ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء بيَّن في هذه الآية المأمور به والمنهي عنه على سبيل الإجمال، فما من شيء يحتاج إليه الناس في أمر دينهم، مما يجب أن يؤتى أو يترك إلا وقد اشتملت عليه هذه الآية وروى عكرمة أن النبي ( ﷺ )، قرأ على الوليد بن المغيرة أنّ الله يأمر بالعدل إلى آخر والآية، فقال له :( يا ابن أخي أعد عليّ ) فأعادها عليه فقال له الوليد : والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق وما هو بقول البشر.
قوله عز وجل ) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ( لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية المتقدمة المأمورات والمنهيات على سبيل الإجمال، ذكر هذه الآية بعض ذلك الإجمال على التفصيل فبدأ بالأمر بالوفاء بالعهد، لأنه آكد الحقوق فقال تعالى ) وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم ( نزلت في الذين بايعوا رسول الله ( ﷺ ) على الإسلام، فأمرهم بالوفاء بهذه البيعة، وقيل : المراد منه كل ما يلتزمه الإنسان باختياره، ويدخل فيه الوعد أيضاً لأن الوعد من العهد، وقيل : العهد هاهنا اليمين.
قال القتيبي : العهد يمين وكفارته كفارة يمين فعلى هذا يجب الوفاء إذا كان فيه صلاح أما إذا لم يكن فيه صلاح، فلا يجب الوفاء به لقوله ( ﷺ ) :( من حلف يميناً ثم رأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه ) فيكون قوله وأفوا بعهد الله من العام الذي خصصته السنة.
وقال مجاهد وقتادة : نزلت في حلف أهل الجاهلية، ويشهد لهذا التأويل قوله ( ﷺ ) :( كل حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة ) ) ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ( يعني تشديدها فتحنثوا فيها وفيه دليل على أن المراد بالعهد غير اليمين لأنه أعم منها ) وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً ( يعني شهيداً بالوفاء بالعده ) إن الله يعلم ما تفعلون ( يعني من وفاء العهد ونقضه ثم ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً لنقض العهد فقال تعالى ) ولا تكونوا ( يعني في نقض العهد ) كالتي نقضت غزلها من بعد قوة ( يعني من بعد إبرامه وإحكامه.
قال الكلبي ومقاتل : هذه امرأة من قريش يقال لها ربطة بن عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم وكانت خرقاء حمقاء بها وسوسة، وكانت قد اتخذت مغزلاً قدر ذراع