صفحة رقم ١١٤
وداود الظاهري.
قالوا : لأن قارىء القرآن يستحق ثواباً عظيماً وربما حصلت الوساوس في قلب القارىء هل حصل له ذلك الثواب أم لا ؟ فإذا استعاذ بعد القراءة اندفعت تلك الوساوس وبقي الثواب مخلصاً فأما مذهب الأكثرين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة وفقهاء الأمصار، فقد اتفقوا على أن الاستعاذة مقدمة على القراءة، قالوا : ومعنى الآية إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله ومثله قوله سبحانه وتعالى ) إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ( " الخ ومثله من الكلام إذا أردت أن تأكل فقل : بسم الله وإذا أردت أن تسافر فتأهب، وأيضاً فإن الوسوسة إنما تحصل في أثناء القراءة فتقديم الاستعاذة على القراءة، لتذهب الوسوسة عنه أولى من تأخيرها عن وقت الحاجة إليها، ومذهب عطاء أنه تجب الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة سنة في الصلاة وغيرها، وقد تقدمت هذه المسألة والخلاف فيها في أول سورة الفاتحة، والاستعاذة : الاعتصام بالله والالتجاء إليه من شر الشيطان ووسوسته.
والمراد من الشيطان إبليس.
وقيل : هو اسم جنس يطلق على المردة من الشياطين، لأن لهم قدرة على إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم بإقدار الله إياهم على ذلك ) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( لما أمر الله رسوله صلى الله عليه سلم بالاستعاذة من الشيطان فكأن ذلك أوهم أن له سلطان يعني ليس له قدرة، ولا ولاية على الذين آمنوا، وعلى ربهم يتوكلون، قال سفيان ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر ويظهر من هذا أن الاستعاذة، إنما تفيد إذا حضر بقلب الإنسان كونه ضعيفاً، وأنه لا يمكنه التحفظ من وسوسة الشيطان إلا بعصمة الله ولهذا قال المحققون : لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة إلا بتوفيق الله ثم قال تعالى ) إنما سلطانه على الذين يتولونه ( يعني يطيعونه ويدخلون في ولايته، يقال : توليته إذا أطعته وتوليت عنه إذا أعرضت عنه ) والذين هم به مشركون ( يعني بالله، وقيل : الضمير في به راجع إلى الشيطان، والمعنى هم من أهله مشركون بالله وقوله سبحانه وتعالى ) وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ( وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا : إن محمداً يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً، ماهو إلا مفترٍ يتقوله من تلقاء نفسه فأنزل الله هذه الآية.
والمعنى : وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكماً آخر والله أعلم بما ينزل اعتراض دخل في الكلام، والمعنى والله أعلم بما ينزل من الناسخ وبما هو أصلح لخلقه، وبما يغير ويبدل من أحكامه أي هو أعلم بجميع ذلك مما هو من مصالح عباده، وهذا نوع من توبيخ وتقريع للكفار على قولهم للنبي ( ﷺ ) وهو قوله تعالى ) قالوا إنما أنت مفتر ( أي تختلقه من عندك، والمعنى : إذا كان الله تعالى أعلم بما ينزل فما بالهم ينسبون محمداً إلى الافتراء والكذب