صفحة رقم ١٣٥
الصحيحة التي تقدمت تدل على صحة هذا القول لمن طالعها، وبحث عنها وحكى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن حذيفة أنه قال : كل ذلك كان رؤيا وأنه ما فقد جسد رسول الله ( ﷺ ) وإنما أسري بروحه.
وحكي هذا القول عن عائشة أيضاً وعن معاوية ونحوه والصحيح ما عليه جمهور العلماء من السلف والخلق والله أعلم قوله صلى الله عليه سلم أتيت بالبراق هو اسم للدابة التي ركبها رسول الله ( ﷺ ) ليلة أسري به واشتقاقه من البرق لسرعته، أو لشدة صفائه وبياضه ولمعانه وتلألؤه ونوره والحلقة باسكان اللام، ويجوز فتحها والمراد بربط البراق بالحلقة الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وإن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله تعالى وقوله جاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فيه اختصار والتقدير، قال لي اختر فاخترت اللبن وهو قول جبريل اخترت الفطرة يعني فطرة الإسلام، وجعل اللبن علامة للفطرة الصحيحة السليمة لكونه سهلاً طيباً سائغاً للشاربين وأنه سليم العاقبة، بخلاف الخمر فإنها أم الخبائث وجالبة لأنواع الشر.
قوله : ثم عرج بي حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل : من أنت قال : جبريل فيه بيان الأدب لمن استأذن وأن يقول : أنا فلان ولا يقول : أنا فإنه مكروه وفيه أن للسماء أبواباً وبوابين وأن عليها حرساً وقول بواب السماء وقد أرسل إليه، وفي الرواية الأخرى وقد بعث إليه معناه للإسراء وصعوده السماء وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة هذا هو الصحيح في معناه، وقيل غيره وقوله فإذا أنا بآدم وذكر جماعة من الأنبياء فيه استحباب لقاء أهل الفضل والصلاح بالبشر والترحيب والكلام اللين الحسن، وإن كان الزائر أفضل من المزور وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه من الإعداب وغيره من أسباب الفتنة وقوله فإذا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور فيه دليل على جواز الاستناد إلى القبلة، وتحويل ظهره إليها.
وقوله ثم ذهب بي إلى السدرة هكذا، وقع في هذه الرواية السدرة الألف واللام وفي باقي الروايات إلى سدرة المنتهى قال ابن عباس وغيره من المفسرين : سميت بذلك لأن علم الملائكة ينتهي إليها.
ولم يجاوزها أحد غير رسول الله ( ﷺ ) وقال ابن مسعود : سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها، وما يصعد من تحتها من أمر الله عز وجل وقوله وإذا ثمرها كالقلال، هو بكسر القاف جمع قلة بضمها، وهي الجرة الكبيرة التي تسع قربتين أو أكثر قوله فرجعت إلى ربي.
قال الشيخ محيي الدين النووي : معناه رجعت إلى الموضع الذي ناجيته فيه أولاً فناجيته فيه ثانياً وقوله : فلم أزل أرجع بين موسى وبين ربي معناه وبين موضع مناجاة ربي عز وجل.
قلت : وأما الكلام على معنى الرؤية وما يتعلق بها فإنه سيأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة النجم، عند قوله تعالى ثم دنا فتدلى قوله ففرض الله سبحانه وتعالى على أمتي خمسين صلاة إلى قوله فوضع شطرها وفي الرواية الأخرى فوضع عني عشراً وفي الأخرى خمساً ليس بين هذه الرواية منافاة، لأن المراد بالشطر الجزء وهو الخمس، وليس المراد منه التصنيف، وأما رواية العشر فهي رواية شريك ورواية الخمس رواية ثابت البناني وقتادة، وهما أثبت من شريك فالمراد حط عني خمساً إلى آخره ثم قال : خمس وهن خمسون يعني خمسين في الأجر والثواب لأن الحسنة بعشر أمثالها، واحتج العلماء بهذا الحديث على جواز نسخ الشيء قبل فعله وفي أول الحديث أنه شق صدره ( ﷺ )


الصفحة التالية
Icon