صفحة رقم ١٥٠
حتى دخل عليهم الشام، فلما ظهر عليهم أمر رأساً من رؤساء جنوده يقال له بيورزاذان صاحب القتل فقال له : إني قد كنت حلفت بإلهي لئن أنا ظفرت على أهل بيت المقدس لأقتلنهم حتى يسيل الدم في وسط عسكري، إلا أن لا أجد أحداً أقتله فأمره أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم، ثم إن بيورزاذان دخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم، فوجد فيها دماً يغلي فسألهم عنه فقال : يا بني إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلي ؟ أخبروني خبره.
فقالوا : هذا دم قربان لنا قرّبناه فلم يقبل منا فلذلك يغلي ولقد قربنا القربان من ثمانمائة سنة، فتقبل منا إلا هذا فقال : ما صدقتموني فقالوا لو كان كأول زمانننا لتقبل منا، ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك لم يقبل منا فذبح بيورزاذان منهم على ذلك الدم سبعمائة وسبعين روحاً، من رؤوسهم فلم يهدأ الدم فأمر سبعمائة غلام من غلمانهم، فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ، فلما رأى بيورزاذان أن الدم لا يهدأ قال لهم : يا بني إسرائيل ويلكم أصدقوني وأصبروا على أمر ربكم فقد طالما ملكتم في الأرض تفعلون ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار من ذكر ولا أنثى إلا قتلته، فلما رأوا الجهد وشدة القتل صدقوه الخبر فقالوا : إن هذا دم نبي كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله تعالى فلو كنا أطعناه كنا أرشدنا.
وكان يخبرنا عن أمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه فقال لهم بيورزاذان ما كان اسمه قالوا : يحيى بن زكريا قال : الآن صدقتموني لمثل هذا ينتقم ربكم منكم فلما علم بيورزاذان أنهم صدقوه خر ساجداً وقال لمن حوله : أغلقوا ابواب المدينة، وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش، وخلا في بني إسرائيل ثم قال : يا يحيى بن زكريا قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك، ومن قتل منهم فاهدأ باذن ربك قبل أن لا أبقي من قومك أحداً إلا قتلته فهدأ الدم باذن الله تعالى، ورفع بيورزاذان عنهم القتل وقال : آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل، وأيقنت أنه لا رب غيره.
وقال لبني إسرائيل : إن خردوش أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره، وإني لا أستطيع أن أعصيه قالوا له افعل ما أمرت به، فأمرهم فحفروا خندقاً، وأمرهم بأموالهم من الخيل والبغال الحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم في العسكر، وأمر بالقتلى الذي قتلوا قبل ذلك فطرحوه على ما قتل من المواشي، فلم يظن خردوش إلا أن ما في الخندق من دماء بني إسرائيل فلما بلغ الدم عسكره، أرسل إلى بيورزاذان أن ارفع عنهم القتل ثم انصرف إلى بابل وقد أفنى بني إسرائيل أو كاد يفنيهم، ونهى الوقعة الأخيرة التي أنزل الله ببني إسرائيل في قوله لتفسدن في الأرض مرتين فكانت الوقعة الأولى بختنصر وجنوده، والأخرى خردوش وجنوده وكانت أعظم الوقعتين، فلم تقم لهم بعد ذلك راية وانتقل الملك بالشام ونواحيها إلى الروم اليونايين، إلا أن بقايا بني إسرائيل كثروا وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك، وكانوا في نعمة إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم ططوس المقدس ابن أسبيانيوس الرمي، فخرب بلادهم وطردهم عنها، ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضربت عليهم الذلة والمسكنة، فما لبثوا في أمة إلا وعليهم الصَّغار والجزية وبقي بيت المقدس خراباً إلى خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره، وقيل في سبب قتل يحيى عليه السلام : أن ملك بني إسرائيل كان يكرمه ويدني مجلسه، وأن الملك هوى بنت امرأته، وقال ابن عباس ابنة أخيه فسأل يحيى تزويجها فنهاه عن نكاحها، فبلغ ذلك أمها فحقدت على


الصفحة التالية
Icon