صفحة رقم ١٥٢
بينة.
قال ابن عباس : جعل الله نور الشمس سبعين جزءاً ونور القمر كذلك فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءاً، فجعلها مع نور الشمس وحكي أن الله أمر جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات، فطمس عليه الضوء وبقي فيه النور وسأل ابن الكواء علياً عن السواد الذي في القمر، فقال هو أثر المحو ) لتبتغوا فضلاً من ربكم ( أي لتتوصولوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم، والتصرف في معايشكم ) ولتعلموا ( أي باختلاف الليل والنهار ) عدد السنين والحساب ( أي ما يحتاجون إليه ولولا ذلك، لما علم أحد حساب الأوقات ولتعطلت الأمور، ولو ترك الله الشمس والقمر، كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولم يدر الصائم متى يفطر، ولم يعرف وقت الحج ولا وقت حلول الديون المؤجلة.
واعلم أن الحساب يبنى على أربع مراتب : الساعات والأيام والشهور والسنين، فالعدد للسنين والحساب لما دونها من الشهور والأيام والساعات، وليس بعد هذه المراتب الأربعة إلا التكرار ) وكل شيء فصلناه تفصيلاً ( يعني وكل شيء تفتقرون إليه من أمر دينكم ودنياكم قد بينّاه بياناً شافياً واضحاً غير ملتبس قيل : إنه سبحانه وتعالى لما ذكر أحوال آيتي الليل والنهار وهما من وجه دليلان قاطعان على التوحيد ومن وجه آخر نعمتان من الله تعالى على أهل الدنيا، وكل ذلك تفضل منه فلا جرم قال، وكل شيء فصلناه تفصيلاً قوله عز وجل ) وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ( قال ابن عباس : عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان.
وقيل : خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسب به.
وقيل : ما من مولود إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد، وقيل : أراد بالطائر ما قضى عليه أنه عامله وما هو صائر إليهم من سعادة أو شقاوة، وقيل : هو من قولك طار له سهم إذا خرج يعني ألزمناه ما طار له من عمله لزوم القلادة أو الغل، لا ينفك عنه والعنق في قوله في عنقه كناية عن اللزم كما يقال : جعلت هذا في عنقك أي قلدتك هذا العمل، وألزمتك الاحتفاظ به وإنما خص العنق من بين سائر الأعضاء لأنه موضع القلائد والأطواق والغل مما يزين أو يشين فإن كان عمله خيراً كان له كالقلادة أو الحلي في العنق وهو ما يزينه، وإن كان عمله شراً كان له كالغلّ في عنقه وهو ما يشينه و يخرج له بقول تبارك وتعالى ) ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً ( قيل : بسطت للإنسان صحيفتان وووكل به ملكان يحفظان عليه حسناته وسيئاته.
فإذا مات طويت الصحيفتان، وجعلتا معه في عنقه فلا ينشران إلا يوم القيامة ) اقرأ كتابك ( أي يقال له : اقرأ كتابك قيل يقرأ يوم القيامة من لم يكن قارئاً ) كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ( أي محاسباً قال الحسن : لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك، وقيل : يقول الكافر