صفحة رقم ١٥٥
إلى حالة الضعف، والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر واعلم أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر هذه الجملة، كلف الإنسان في حق الوالدين خمسة أشياء : الأول قوله تعالى ) فلا تقل لهما أف ( وهي كلمة تضجَّر وكراهية، وقيل : إن أصل هذه الكلمة أنه إذا سقط عليك تراب أو رماد، ونفخت فيه تزيله تقول : أف ثم إنهم توسعوا بذكر هذه الكلمة إلى كل مكروه يصل إليهم.
والثاني : قوله ) ولا تنهرهما ( أي تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك يقال : نهره وانتهره بمعنى.
فإن قلت : المنع من التأفيف أبلغ من المنع من الانتهار فما وجه الجمع قلت : المراد من قوله ولا تقل لهما أف المنع من إظهار الضجر بالقليل والكثير، والمراد من قوله ولا تنهرهما، المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليها.
الثالث : قوله ) وقل لهما قولاً كريماً ( أي حسناً جميلاً ليناً كما يقتضيه حسن الأدب معهما، وقيل : هو يا أماه يا أبتاه وقيل : لا يكنيهما وقيل : هو أن يقول لهم كقول العبد الذليل المذنب للسيد الفظ الغليظ.
الرابع : قوله عز وجل ) واخفض لهما جناح الذل ( أي ألن لهما جناحك واخفضه لهما حتى لا تمتنع عن شيء أحباه ) من الرحمة ( أي من الشفقة عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إليك، كما كنت في حال الصغر مفتقراً إليهما.
الخامس : قوله سبحانه وتعالى ) وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ( أي وادع الله لهما أن يرحمهما برحمته الباقية، وأراد به إذا كانا مسلمين فأما إذا كانا كافرين فإن الدعاء منسوخ في حقهما بقوله سبحانه وتعالى ) ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ( " وقيل : يجوز الدعاء لهما بأن يهديهما الله إلى الإسلام فإذا هداهما فقد رحمهما.
وقيل في معنى هذه الآية : إن الله سبحانه وتعالى بالغ في الوصية بهما حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته، ثم شفعه بالإحسان إليهما ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تسوؤهما وأن يذل، ويخضع لهما ثم ختمها بالأمر بالدعاء لهما والترحم عليهما.
فصل
في ذكر الأحاديث التي وردت في بر الوالدين،
( ق ) عن أبي هريرة قال :( جاء رجل إلى رسول الله ( ﷺ ) فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال : أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك ) ( م ) عنه قال سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول :( رغم أنفه، رغم أنفه قيل من يا رسول الله ؟ قال من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة ) ( م ) عنه قال : قال رسول الله ( ﷺ ) ( لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه )
( ق ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ( جاء رجل إلى رسول الله ( ﷺ )