صفحة رقم ١٦١
في الآية الأولى أن الشرك يجب أن يكون صاحبه مذموماً مخذولاً وقال في هذه الآية ) ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً ( والفرق بين المذموم والملوم أما كونه مذموماً فمعناه، أن يذكر له أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر فهذا معنى كونه مذموماً ثم يقال له : لم فعلت هذا الفعل القبيح وما الذي حملك عليه، وهذا هو اللوم والفرق بين المخذول والمدحور أن المخذول هو الضعيف الذي لا ناصر له، والمدحور هو المبعد المطرود عن كل خير.
قوله سبحانه وتعالى ) أفأصفاكم ربكم ( يعني أفخصكم واختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة ) بالبنين ( يعني اختصكم بأفضل الأولاد وهم البنون ) واتخذ من الملائكة إناثاً ( لأنهم كانوا يقولون : الملائكة بنات الله مع علمهم بأن الله سبحانه وتعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له وهذا يدل على نهاية جعل القائلين بهذا القول ) إنكم لتقولون قولاً عظيماً ( يخاطب مشركي مكة يعني بإضافتهم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم إنهم يفضلون عليه أنفسهم حيث يجعلون له ما يكرهون لأنفسهم يعني البنات.
قوله سبحانه وتعالى ) ولقد صرفنا في هذا القرآن ( يعني العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام والتشديد في صرفنا للتكثير والتكرير ) ليذكروا ( أي ليتعظوا ويعتبروا ) وما يزيدهم ( أي تصريفنا وتذكيرنا ) إلا نفوراً ( أي تباعداً عن الحق ) قل ( أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين ) لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا ( أي لطلبوا يعني هؤلاء الآلهة ) إلى ذي العرش سبيلاً ( أي بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض.
وقيل : معناه لتقربوا إليه.
وقيل : معناه لتعرفوا إليه فضله فابتغوا ما يقربهم إليه والأول أصح، ثم نزه نفسه فقال عز وجل ) سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ( معنى وصفه بذلك المبالغة في البراءة والبعد عما يصفونه.
قوله عز وجل ) تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن ( يعني الملائكة والإنس والجن ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( قال ابن عباس : وإن من شيء حي إلا يسبح.
وقيل : جميع الحيوانات والنباتات.
قيل : إن الشجرة تسبح والاسطوانة لا تسبح.
وقيل : إن التراب يسبح ما لم يبتل، فإذا ابتل ترك التسبيح، وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها، فإذا رفعت تركت التسبيح.
وإن الورقة تسبح ما دامت على الشجرة، فإذا سقطت تركت التسبيح، وإن الماء يسبح ما دام جارياً فإذا ركد ترك التسبيح وإن الثوب يسبح ما دام جديداً فإذا اتسخ ترك التسبيح وإن الوحش والطير لتسبح إذا صاحت، فإذا سكتت تركت التسبيح وإن من شيء جماد