صفحة رقم ١٦٩
زاجر عن قبول وعده بقوله : ما يعدهم الشيطان إلا غرورا والسبب فيه أنه إنما يدعو إلى قضاء الشهوة وطلب الرياسة ونحو ذلك، ولا يدعو إلى معرفة الله تعالى، ولا إلى عبادته وتلك الأشياء التي يدعو إليها خيالية لا حقيقة لها ولا تحصل إلا بعد متاعب ومشاق عظيمة، وإذا حصلت كانت سريعة الذهاب والانقضاء وينغصها الموت والهرم وغير ذلك، وإذا كانت هذه الأشياء بهذه الصفة كانت الرغبة فيها غروراً.
الإسراء :( ٦٥ - ٦٩ ) إن عبادي ليس...
" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا " ( ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( يعني بعبادة الأنبياء وأهل الفضل الصلاح لأنه لا يقدر على إغوائهم ) وكفى بربك وكيلاً ( أي حافظاً.
والمعنى : أنه سبحانه وتعالى لما أمكن إبليس أن يأتي بما يقدر عليه من الوسوسة كان ذلك سبباً لحصول الخوف في قلب الإنسان، قال تعالى ) وكفى بربك وكيلاً ( أي فالله سبحانه وتعالى أقدر منه وأرحم بعباده فهو يدفع عنهم كيد الشيطان ووساوسه، ويعصمهم من إغوائه وإضلاله.
وفي بعض الآثار أن إبليس لما خرج إلى الأرض قال : يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم فسلطني عليه وعلى ذريته قال : أنت مسلط.
قال : لا أستطيعه إلا بك فزدني.
قال : استفزز من استطعت منهم الآية.
فقال آدم : يا رب سلطت إبليس علي وعلى ذريتي وإني لا أستطيعه إلا بك قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه قال رب زدني قال الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها قال رب زدني قال : التوبة معروضة ما دام الروح في الجسد قال رب زدني فقال يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية.
وفي الخبر قال إبليس : يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتباً فما قراءتي ؟ قال : الشعر.
قال : فما كتابي ؟ قال : الوشم، قال : ومن رسلي ؟ قال الكهنة.
قال : أي شيء مطعمي ؟ قال ما لم يذكر عليه اسمي قال فما شرابي قال كل مسكر قال : وأين مسكني ؟ قال الحمامات قال وأين مجلسي ؟ قال في الأسواق قال : وما حبائلي قال : النساء قال : وما أذاني ؟ قال المزمار.
قوله ) ربكم الذين يزجي ( أي يسوق ويجري ) لكم الفلك ( أي السفن ) في البحر لتبتغوا من فضله ( أي لتطلبوا من رزقه بالأرباح في التجارة وغيرها ) إنه كان بكم رحيماً ( أي حيث يسر لكم هذه المنافع، والمصالح وسهلها عليكم ) وإذا مسكم الضر في البحر ( أي الشدة وخوف الغرق في البحر ) ضل من تدعون ( أي ذهب من أوهامكم وخواطركم كل من تدعون في حوادثكم من الأصنام وغيرها ) إلا إياه ( أي أجاب دعاءكم لا تذكرون سواه ولا يخطر ببالكم غيره لأنه القادر على إعانتكم ونجاتكم ) فلما نجاكم ( أي أجاب دعاءكم وأنجاكم من هول البحر وشدته وأخرجكم ) إلى البر أعرضتم ( أي عن الإيمان والإخلاص والطاعة، وكفرتم النعمة وهو قوله تعالى ) وكان الإنسان كفوراً ( أي جحوداً ) أفأمنتم ( أي بعد إنجائكم ) أن يخسف بكم جانب البر ( أي تغوره.
والمعنى : أن الجهات كلها له، وفي قدرته براً كان أو بحراً بل إن كان الغرق في البحر ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف لأنه يغيب تحت الثرى كما أن الغرق يغيب تحت الماء ) أو يرسل عليكم حاصباً ( أي نمطر عليكم حجارة من السماء، كما أمطرناها على قوم لوط ) ثم لا تجدوا لكم وكيلاً ( أي مانعاً وناصراً ) أم أمنتم أن يعيدكم فيه ( أي في البحر ) تارة ( أي مرة ) أخرى فيرسل عليكم قاصفاً من الريح ( قال ابن عباس : أي عاصفاً وهي الريح الشديدة.
وقيل : الريح التي تقصف كل شيء من شجر وغيره ) فيغرقكم بما كفرتم ( أي بكفرانكم النعمة وإعراضكم حين أنجيناكم ) ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً ( التبيع المطالب.
والمعنى : أنا