صفحة رقم ٢٠٠
يكذبون بالساعة حتى كادوا يخرجون الناس عن الحق وملة الحواريين، فلما رأى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلق بابه عليه، ولبس مسحاً وجعل تحته رماداً فجلس عليه فدأب ليله ونهاره يتضرع إلى الله تعالى ويبكي ويقول رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم بطلان ما هم عليهم.
ثم إن الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة عباده أراد أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية وحجة عليم ليعلموا أن الساعة آتية فيها، ويستجيب لعبده الصالح بيدروس ويتم نعمته عليه وأن يجمع من كان تبدد من المؤمنين، فألقى الله سبحانه وتعالى في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي فيه ذلك الكهف وكان اسمه أولياس أن يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف ويبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر غلامين فجعلا ينزعان تلك الحجارة وبينيان بها تلك الحظيرة حتى نزعا ما كان على باب الكهف، وفتحا باب الكهف وحجبهم الله تعالى عن الناس بالرعب فلما فتح باب الكهف أذن الله سبحانه وتعالى ذو القدرة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض كأنما اسيتقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون منها إذا أصبحوا من ليلتهم.
ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كما كانوا يفعلون لا يرى في وجوههم ولا ألوانهم شيء ينكرونه وأنهم كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون أن دقيانوس في طلبهم فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخاً صاحب نفقتهم : أنبئنا بما قال الناس في شأننا عشية أمس عند هذا الجبار، وهم يظنون أنهم قد رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون وقد خيل إليهم أنهم كانوا ينامون حتى تساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياماً قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وكل ذلك في أنفسهم يسير فقال لهم تمليخا : قد التمستم في المدينة وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا : يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقو الله فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله، ثم قالوا لتمليخا انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها وما الذي يذكر فينا عند دقيانوس وتلطف ولا تشعرن بك أحداً، وابتع لنا طعاماً فأتنا به وزدنا على الطعام الذي جئتنا به فقد أصبحنا جياعاً، ففعل تمليخا كما كان يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها وأخذ ورقاً من نفقتهم التي كانت معهم التي ضربت بطابع دقيانوس وكانت كخفاف الربع، فانطلق تمليخا خارجاً فلما مر بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منه ثم مر ولم يبال بها حتى أتى باب المدينة مستخفياً يصد عن الطريق تخوفاً أن يراه أحد من أهلها فيعرفه، ولا يشعر أن دقيانوس وأهله هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة.
فملا أتى تمليخا باب المدينة رفع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة كانت لأهل الإيمان.
إذ كان أمر الإيمان ظاهراً فيهما فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها يميناً وشمالاً ثم ترك ذلك الباب ومضى إلى باب آخر فرأى مثل ذلك فخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرف ورأى أشخاصاً كثيرة محدثين لم يكن رآهم من قبل ذلك، فجعل يمشي ويتعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منهم فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول يا ليت شعري ما هذا أما عشية أمس كان المسلمون يخفون هذه العلامة في هذه المدينة ويستخفون بها واليوم ظاهرة لعلي نائم حالم ثم يرى أنه ليس بنائم فأخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشي في أسواقها فسمع ناساً يحلفون باسم عيسى ابن مريم،