صفحة رقم ٢٣٢
وذلك أن آدم أحتلم ذات يوم، وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلاً من الروم ابن عجوز.
فلما بلغ كان عبداً صالحاً قال الله سبحانه وتعالى إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس.
يقال له ناسك، والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض احداهما في القطر الأيمن يقال لها هاويل، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها تأويل، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج.
فقال ذو القرنين بأي قوة أكابدهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم ؟ فقال الله تعالى إني سأقويك وأبسط لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك، فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك.
فانطلق حتى مغرب الشمس، فوجد جمعاً وعدداً لا يحصيهم إلا الله تعالى فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد، فدعاهم إل الله تعالى وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب جنداً عظيماً وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم، حتى أتى هاويل ففعل فيهم كفعله في ناسك ثم مضى حتى منسك ففعل فيهم كفعله في الأمتين، وجند منهم جنداً عظيماً ثم أخذ ناحية اليسرى فأتى تاويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض.
فلما كان فيما يلي منقطع الترك مما يلي المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقاً أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلق في الأرض، وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا شك أنهم يتملكون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فيها فهل نجعل لك خرجاً، على أن تجعل بيننا وبينهم سداً ؟ قال :( ما مكَّنيّ فيه ربي خير ( " وقال أعدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم.
فانطلق حتى توسط بلادهم، فوجدهم على مقدار واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخالب وأضراس كالسباع، ولهم هدب شعر يواري أجسادهم، ويتقون به من الحر والبرد، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى، يصيف في واحدة ويشتي في واحدة، يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف إلى مابين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الأساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج