صفحة رقم ٢٤٤
إنها لما ولدت عيسى عليه السلام حملته في الحال إلى قومها وقيل إن يوسف النجار احتمل مريم وابنها عيسى إلى غار فمكث فيه أربعين يوماً حتى طهرت من نفاسها، ثم حملته إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين ) قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً ( أي عظيماً منكراً وقيل معناه جئت بأمر عجيب وبديع ) يا أخت هارون ( أي شبيهة هارون قيل كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل شبهت به في عفتها وصلاحها وليس المراد الأخوة في النسب، قيل إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألف من بني إسرائيل كلهم يسمى هارون سوى سائر الناس ( م ) عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت خراسان سألوني فقالوا : إنكم تقرؤون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله ( ﷺ ) سألته عن ذلك فقال :(
مريم :( ٢٤ - ٢٨ ) فناداها من تحتها...
" فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " ( قوله عز وجل :( فأجاءها المخاض ( أي ألجأها وجاء بها والمخاض وجع الولادة ) إلى جذع النخلة ( وكانت نخلة يبست في الصحراء في شدة البرد ولم يكن لها سعف، وقيل التجأت إليها تستند إليها وتستمسك بها من شدة الطلق، ووجع الولادة ) قالت يا ليتني مت قبل هذا ( تمنت الموت استحياء من الناس وخوفاً من الفضيحة ) وكنت نسياً منسياَ ( يعني شيئاً حقيراً متروكاً لم يذكر، ولم يعرف لحقارته وقيل جيفة ملقاة، وقيل معناه أنها تمنت أنها لم تخلق ) فناداها من تحتها ( قيل إن مريم كانت على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها، وقيل ناداها من سفح الجبل وقيل هو عيسى وذلك أنه لما خرج من بطن أمه ناداها ) أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً ( أي نهراً.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ضرب جبريل عليه السلام، وقيل عيسى عليه السلام برجله في الأرض فظهرت عين ماء عذبة، وجرت وقيل كان هناك نهر يابس فجرى فيه الماء بقدرة الله سبحانه وتعالى وجنت النخلة اليابسة، فأورقت وأثمرت وأرطبت وقيل معنى تحتك تحت أمرك إن أمرته أن يجري جرى، وإن أمرته بالإمساك أمسك وقيل معنى سرياً أي عيسى وكان عبداً سرياً رفيعاً ) وهزي إليك ( أي حركي إليك ) بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً ( قيل الجنى الذي بلغ الغاية جاء أوان اجتنائه.
قال الربيع بن خيثم : ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل ) فكلي واشربي ( أي مريم كلي من الرطب واشربي من النهر ) وقري عيناً ( أي طيبي نفساً، وقيل قري عيناً بولدك عيسى، يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينيك عن النظر إلى غيره ) فإما ترين من البشر أحداً ( معناه يسألك عن ولدك ) فقولي إني نذرت للرحمن صوماً ( أي صمتاً، قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسي، وقيل إن الله أمرها أن تقول هذا إشارة وقيل أمرها أن تقول هذا القول نطقاً ثم تمسك عن الكلام بعده وإنما منعت من الكلام لأمرين أحدهما : أن يكون عيسى عليه السلام هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في أزالة التهمة عنها وفيه دلالة على أن تفويض الكلام إلى الأفضل أولى.
والثاني : كراهة مجادلة السفهاء وفيه السكوت عن السفيه واجب ) فلن أكلم اليوم إنسياً ( يقال إنها كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس.
قوله تعالى ) فأتت به قومها تحمله ( قيل إنها لما ولدت عيسى عليه السلام حملته في الحال إلى قومها وقيل إن يوسف النجار احتمل مريم وابنها عيسى إلى غار فمكث فيه أربعين يوماً حتى طهرت من نفاسها، ثم حملته إلى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين ) قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً ( أي عظيماً منكراً وقيل معناه جئت بأمر عجيب وبديع ) يا أخت هارون ( أي شبيهة هارون قيل كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل شبهت به في عفتها وصلاحها وليس المراد الأخوة في النسب، قيل إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألف من بني إسرائيل كلهم يسمى هارون سوى سائر الناس ( م ) عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت خراسان سألوني فقالوا : إنكم تقرؤون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله ( ﷺ ) سألته عن ذلك فقال :( إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم ).
وقيل كان هارون أخا مريم لأبيها، وقيل كان من أمثل رجل في بني إسرائيل وقيل إنما عنوا هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم، وقيل كان هارون في بني إسرائيل فاسقاً أعظم الفسق فشبهوها به ) ما كان أبوك ( يعني عمران ) امرأ سوء ( قال ابن عباس : زانياً ) وما كانت أمك ( يعني حنة ) بغياً ( أي زانية فمن أين لك هذا الولد.
مريم :( ٢٩ - ٣٧ ) فأشارت إليه قالوا...
" فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم " ( ) فأشارت إليه ( أي أشارت مريم إلى عيسى أن كلمهم، قال ابن مسعود : لما لم يكن لها حجة أشارت إليه ليكون كلامه حجة لها، وقيل لما أشارت إليه غضب القوم وقالوا مع ما فعلت أتسخرين بنا ) قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً ( قيل أراد بالمهد الحجر وهو حجرها، وقيل هو المهد بعينه قيل لما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم، وقيل لما أشارت إليه ترك الرضاع واتكأ على يساره وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه ) قال إني عبد الله ( قال وهب : أتاها زكرياء عند مناظرتها اليهود، فقال لعيسى : انطق بحجتك إن كنت أمرت بها، فقال عند ذلك عيسى وهو ابن أربعين يوماً، وقيل : بل يوم ولد إني عبد الله أقر على نفسه بالعبودية لله تعالى أول ما تكلم لئلا يتخذ إلهاً.
فإن قلت إن الذي اشتدت