صفحة رقم ٢٩٤
أي عما خلق الله فيها من الشمس والقمر والنجوم، وكيفية حركتها في أفلاكها ومطالعها ومغاربها، والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة القدرة القاهرة، لا يتفكرون ولا يعتبرون بها ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس كل في فلك يسبحون ( أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء.
وإنما قال يسبحون ولم يقل تسبح، على ما يقال لما لا يعقل لأنه ذكر عنها فعل العقلاء، وهو السباحة والجري.
والفلك مدار النجوم الذي يضمها وهو في كلام العرب كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك وقيل الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل، يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الرحى، وقيل الفلك السماء الذي فيه ذلك الكوكب فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيهن وقيل الفلك استدارة السماء، وقيل الفلك موج مكفوف دون السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم، وقال أصحاب الهيئة الأفلاك أجرام صلبة لا ثقيلة ولا خفيفة غير قابلة للخرق والالتئام والنمو والذبول، والحق أنه لا سبيل إلى معرفة صفة السموات إلا بأخبار الصادق فسبحان الخالق المدبر لخلقه بالحكمة والقدرة الباهرة غير المتناهية.
الأنبياء :( ٣٤ - ٤٣ ) وما جعلنا لبشر...
" وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون " ( قوله عزّ وجلّ :( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ( يعني الدوام والبقاء في الدنيا ) أفإن مت فهم الخالدون ( نزلت هذه الآية حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون نشمت بموته، فنفى الله الشماتة عنه بهذا والمعنى أن الله تعالى قضى أن لا يخلد في الدنيا بشراً لا أنت و لاهم فإن مت أنت أفيبقى هؤلاء وفي معناه قول القائل :
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
) كل نفس ذائقة الموت ( هذا العموم مخصوص بقوله تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فإن الله تعالى حي لا يموت ولا يجوز عليه الموت.
والذوق هاهنا عبارة عن مقدمات الموت وآلامه العظيمة قبل حلوله ) ونبلوكم ( أي نختبركم ) بالشر والخير ( أي بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر، وقيل مما تحبون وما تكرهون ) فتنة ( أي ابتلاء لننظر كيف شكركم فيما تحبون وصبركم فيما تكرهون ) وإلينا ترجعون ( أي للحساب والجزاء.
قوله عزّ وجلّ ) وإذا رآك الذين كفروا إن ( أي ما ) يتخذونك إلا هزواً ( أي سخرياً قيل نزلت في أبي جهل مر به النبي ( ﷺ ) فضحك وقال هذا نبي بني عبد مناف ) أهذا الذي يذكر آلهتكم ( أي يقول بعضهم لبعض أهذا الذي يعيب ألهتكم والذكر يطلب على المدح والذم مع القرينة ) وهم بذكر الرحمن هم كافرون ( وذلك أنهم كانوا يقولون لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وهو مسيلمة الكذاب قوله تعالى ) خلق الإنسان من عجل (، قيل معناه أن بنيته وخلقته من العجلة وعليها طبع، وقيل لما دخل الروح في رأس آدم وعينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة، فوقع فقيل خلق الإنسان من عجل


الصفحة التالية
Icon