صفحة رقم ٢٩٦
معناه لا يصبحون من الله بخير.
الأنبياء :( ٤٤ - ٥٧ ) بل متعنا هؤلاء...
" بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " ( ) بل متعنا هؤلاء ( يعني الكفار ) وآباءهم ( أي في الدنيا بأن أنعمنا عليهم وأمهلناهم ) حتى طال عليهم العمر ( أي امتد بهم الزمان فاغتروا ) أفلا يرون ( يعني هؤلاء المشركين ) أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ( يعني ننقص من أطراف المشركين، ونزيد من أطراف المؤمنين يريد بذلك ظهور النبي ( ﷺ ) وفتحه ديار الشرك أرضاً فأرضاً وقرية فقرية، والمعنى أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في إتيان الأرض من جوانبها بأخذ الواحد، بعد الواحد وفتح البلاد والقرى مما حول مكة وإدخالها في ملك محمد ( ﷺ )، وموت رؤوس المشركين المتنعمين بالدنيا.
أما كان لهم عبرة في ذلك فيؤمنوا بمحمد ( ﷺ ) ويعلموا أنهم لا يقدرون على الامتناع منا ومن إرادتنا فيهم ثم قال ) أفهم الغالبون ( استفهام بمعنى التقريع معناه بل نحن الغالبون وهم المغلوبون ) قل ( يا محمد ) إنما أنذركم بالوحي ( أي أخوفكم بالقرآن ) ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ( أي يخوفون ) ولئن مستهم ( أي أصابتهم ) نفحة من عذب ربك ( قال ابن عباس طرف وقيل شيء قليل ) ليقولن يا ويلنا إن كنا ظالمين ( دعوا على أنفسهم بالويل بعد ما أقروا على أنفسهم بالظلم والشرك.
وقوله عزّ وجلّ ) ونضع الموازين القسط ( أي ذوات العدل ومعنى وصفها بذلك لأن الميزان قد يكون مسقيماً وقد يكون بخلافه فبين أن تلك الموازين تجري على حد العدل ومعنى وضعها إحضارها ) ليوم القيامة ( أي لأهل يوم القيامة قيل المراد بالميزان العدل والقسط بينهم في الأعمال، فمن أحاطت حسناته بسيئاته فاز ونجا وبالعكس ذل وخسر، والصحيح الذي عليه أئمة السلف أن الله سبحانه وتعالى يضع الموازين الحقيقية ويزن بها أعمال العباد، وقال الحسن هو ميزان له كفتان ولسان وأكثر الأقوال أنه ميزان واحد وإنما جمع لاعتبار عدد الأعمال الموزونة به.
وروي أن داود عليه الصلاة والسلام سأل ربه عزّ وجلّ أن يريه الميزان فأراه كل كفته ما بين المشرق والمغرب فلما رآه غشي عليه، ثم فاق فقال إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات ؟ قال يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة.
فعلى هذا ففي كيفية وزن الأعمال مع أنها أعراض طريقان : أحدهما : أن توضع صحائف الأعمال فتوضع صحائف الحسنات في كفة، وصحائف السيئات في كفة.
والثاني : أن يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة.
فإن قلت كيف تصنع بقوله ونضع الموازني القسط مع قوله فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً.
قلت هذه في حق الكفار لأنهم ليس لهم أعمال توزن مع الكفر.
وقوله تعالى ) فلا تظلم نفس شيئاً ( يعني لا تبخس مما لها وما عليها من خير وشر شيئاً ) وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها ( معناه أنه لا ينقص من إحسان محسن، ولا يزاد في إساءة