صفحة رقم ٢٩٩
عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنام مكسرة ) قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ( أي في تكسيرها واجترائه عليها ) قالوا سمعنا فتى يذكرهم ( أي يسبهم ويعيبهم ) يقال له إبراهيم ( أي هو الذي نظن أنه صنع هذا فبلغ ذلك نمرود الجبار وأشراف قومه ) قالوا فأتوا به على أعين الناس ( أي جيئوا به ظاهراً بمرأى الناس وإنما قاله نمرود ) لعلهم يشهدون ( أي عليه بأنه الذي فعل ذلك كرهوا أن يأخذوه بغير بنية وقيل معناه لعلهم يحضرون عذابه وما يصنع به فلما أتوا به ) قالوا ( له ) أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال ( يعني إبراهيم ) بل فعله كبيرهم هذا ( غضب أن تعبدون معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن وأراد إبراهيم بذلك إقامة الحجة عليهم فذلك قوله ) فاسألوهم إن كانوا ينطقون ( أي حتى يخبروا بمن فعل ذلك بهم، وقيل : معناه إن قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم عن النطق وفي ضمنه أنا فعلت ذلك
( ق ) عن أبي هريرة أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله قوله إني سقيم وقوله : فعله كبيرهم هذا، وقوله لسارة : هذه أختي ) لفظ الترميذي قيل في قوله إني سقيم أي : سأسقم وقيل : سقيم القلب مغتم بضلالتكم.
وأما قوله بل فعله كبيرهم هذا فإنه علق خبره بشرط نطقه كأنه قال : إن كان ينطق فهو على طريق التبكيت لقومه وقوله لسارة : هذه أختي، أي في الدين والإيمان قال الله تعالى :( إنما المؤمنون إخوة ( " فكل هذه الألفاظ صدق في نفسها ليس فيها كذب.
فإن قلت : قد سماها النبي ( ﷺ ) كذبات بقوله : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات وقال في حديث الشفاعة ويذكر كذباته.
قلت : معناه أنه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب، وإن كان حقاً في الباطن إلا هذه الكلمات ولما كان مفهوم ظاهرها خلاف باطنها أشفق إبراهيم عليه الصلاة والسلام منها بمؤاخذته بها قال البغوي : وهذه التأويلات لنفي الكذب عن إبراهيم والأولى هو الأول للحديث، ويجوز أن يكون الله أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم، كما أذن ليوسف حين أمر مناديه فقال : أيتها العير إنكم لسارقون ولم يكونوا سرقوا قال الإمام فخر الدين الرازي : وهذا القول مرغوب عنه، والدليل القاطع عليه أنه لو جاز أن يكذب لمصلحة ويأذن الله فيه فلنجوز هذا الاحتمال في كل ما أخبر الأنبياء عنه، وذلك يبطل الوثوق بالشرائع ويطرق التهمة إلى كلها، الحديث محمول على المعاريض، فإنه فيها مندوحة عن الكذب.
وقوله :( فرجعوا إلى أنفسهم ( يعني تفكروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم ) فقالوا ( ما نراه إلا كما قال ) إنكم أنتم الظالمون ( يعني بعبادتكم ما لا يتكلم وقيل معناه أنتم الظالمون لهذا الرجل في سؤالكم إياه، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها


الصفحة التالية
Icon